للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ خِفْيَةً وَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصِّبَاءَ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ.

وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي بُخْتُنَصَّرَ مَلِكِ أَشُورَ وَغَزْوِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثَلَاثَ غَزَوَاتٍ أَوَّلَاهَا فِي سَنَةِ ٦٠٦ قَبْلَ الْمَسِيحِ زَمَنَ الْمَلِكِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ الْيَهُودِ سَبَى فِيهَا جَمْعًا مِنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ سَبَى فِيهَا رُؤَسَاءَ المملكة وَالْملك يهواكين بْنَ يَهُويَاقِيمَ وَنَهَبَ الْمَسْجِدَ الْمُقَدَّسَ مِنْ جَمِيعِ نَفَائِسِهِ وَكُنُوزِهِ. وَالثَّالِثَةُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ صِدْقِيَا فَأَسَرَ الْمَلِكَ وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ وَأَحْرَقَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَجَمِيعَ الْمَدِينَةِ وَسَبَى جَمِيعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَانْقَرَضَتْ بِذَلِكَ مَمْلَكَةُ يَهُوذَا وَذَلِكَ سَنَةَ ٥٧٨ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْوَاقِعَةُ بِالسَّبْيِ الثَّالِثِ فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَدْ مَنَعَ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وَتَسَبَّبَ فِي خَرَابِهِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي غَزْوِ طَيْطَسَ الرُّومَانِيِّ لِأُورَشْلِيمَ سَنَةَ ٧٩ قَبْلَ الْمَسِيحِ فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَحْرَقَ التَّوْرَاةَ وَتَرَكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَرَابًا إِلَى أَنْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ فَتْحِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ. وَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةٌ لِذِكْرِهَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَنْبَغِي بِنَاءُ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِمَا. وَالْوَجْهُ هُوَ التَّعْوِيلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَأْثُورَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَالْمُنَاسِبَةُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ وُفِّيَ أَهْلُ الْكِتَابِ حَقَّهُمْ مَنْ فَضْحِ نَوَايَاهُمْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَبَيَانِ أَنَّ تِلْكَ شَنْشَنَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِيهِمْ مَعَ كُلِّ مَنْ جَاءَهُمْ بِمَا يُخَالِفُ هَوَاهُمْ وَكَانَ قَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَابُهُوهُمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الْبَقَرَة: ١٠٥] عَطَفَ الْكَلَامَ إِلَى بَيَانِ مَا تَفَرَّعَ عَنْ عَدَمِ وِدَادَةِ الْمُشْرِكِينَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَبَيَّنَ أَنَّ ظُلْمَهُمْ فِي ذَلِكَ لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ إِذْ مَنَعُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ وَسَدُّوا طَرِيقَ الْهُدَى وَحَالُوا بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ فَخْرُهُمْ وَسَبَبُ مَكَانَتِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنُ طَالِبِ صَلَاحِ الْخَلْقِ بَلْ هَذَا شَأْنُ الْحَاسِدِ الْمُغْتَاظِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ بِمَنْ إِنْكَارِيٌّ وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ مَنْ أَنَّهَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَشُرِبَتْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَكَانَ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ صَارَ الْكَلَامُ مِنْ وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَلِذَلِكَ فَسَّرُوهُ بِمَعْنَى لَا أَحَدَ أَظْلَمُ.