وَخَصَّ بِالذِّكْرِ مِنَ الْمَنِّ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ عُطِفَتْ عَلَى فِعْلِ نَمُنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهِيَ: جَعْلُهُمْ أَيِمَّةً، وَجَعْلُهُمُ الْوَارِثِينَ، وَالتَّمْكِينُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَأَنْ يَكُونَ زَوَالُ
مُلْكِ فِرْعَوْنَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي نِعَمٍ أُخْرَى جَمَّةٍ، ذُكِرَ كَثِيرٌ مِنْهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
فَأَمَّا جَعْلُهُمْ أَيِمَّةً فَذَلِكَ بِأَنْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً حُرَّةً مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا لَهَا شَرِيعَةٌ عَادِلَةٌ وَقَانُونُ مُعَامَلَاتِهَا وَقُوَّةٌ تَدْفَعُ بِهَا أَعْدَاءَهَا وَمَمْلَكَةٌ خَالِصَةٌ لَهَا وَحَضَارَةٌ كَامِلَةٌ تَفُوقُ حَضَارَةَ جِيرَتِهَا بِحَيْثُ تَصِيرُ قُدْوَةً للأمم فِي شؤون الْكَمَالِ وَطَلَبِ الْهَنَاءِ، فَهَذَا مَعْنَى جَعْلِهِمْ أَيِمَّةً، أَيْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْخَيْرِ وَنَاهِيكَ بِمَا بَلَغَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَمَّا جَعْلُهُمُ الْوَارِثِينَ فَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ دِيَارَ قَوْمٍ آخَرِينَ وَيُحَكِّمَهُمْ فِيهِمْ، فَالْإِرْثُ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي خِلَافَةِ أُمَمٍ أُخْرَى.
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْوارِثِينَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدُ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْإِرْثِ الْخَاصِّ وَهُوَ إِرْثُ السُّلْطَةِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مَنْ أَهْلِ السُّلْطَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْرَثَهُمْ أَرض الكنعانيين والحثيين وَالْأَمُورِيِّينَ وَالْآرَامِيِّينَ، وَأَحَلَّهُمْ مَحَلَّهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَظَمَةِ حَتَّى كَانُوا يُعْرَفُونَ بِالْجَبَابِرَةِ قَالَ تَعَالَى قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [الْمَائِدَة: ٢٢] .
وَالتَّمْكِينُ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ تَثْبِيتُ سُلْطَانِهِمْ فِيمَا مَلَكُوهُ مِنْهَا وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ إِنْ كَانَتِ اللَّامُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَقْوِيَتَهُمْ بَيْنَ أُمَمِ الْأَرْضِ إِنْ حُمِلَ التَّعْرِيفُ عَلَى جِنْسِ الْأَرْضِ الْمُنْحَصِرِ فِي فَرْدٍ، أَوْ عَلَى الْعَهْدِ، أَيِ الْأَرْضِ الْمَعْهُودَةِ لِلنَّاسِ.
وَأَصْلُ التَّمْكِينِ: الْجَعْلُ فِي الْمَكَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٨٤] ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اشْتِقَاقِ التَّمْكِينِ وَتَصَارِيفِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦] .
وَمَا كانُوا يَحْذَرُونَ هُوَ زَوَالُ مُلْكِهِمْ بِسَبَبِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَسْبَمَا أَنْذَرَهُ بِذَلِكَ الْكُهَّانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute