وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَمْثِيلَ حَال الرَّسُول صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم فِي شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى اتِّبَاعِ قَوْمِهِ لَهُ وَفِي غَمِّهِ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ. وَتَمْثِيلَ حَالِهِمْ فِي النُّفُورِ وَالْإِعْرَاضِ بِحَالِ مَنْ فَارَقَهُ أَهْلُهُ وَأَحِبَّتُهُ فَهُوَ يَرَى آثَارَ دِيَارِهِمْ وَيَحْزَنُ لِفِرَاقِهِمْ. وَيَكُونُ حرف (على) ظرفا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ، وَمَعْنَى (عَلَى) الِاسْتِعْلَاءُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ شِدَّةُ الِاتِّصَالِ بِالْمَكَانِ.
وَكَأَنَّ هَذَا الْكَلَام سيق إِلَى الرَّسُول صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم فِي آخِرِ أَوْقَاتِ رَجَائِهِ فِي إِيمَانِهِمْ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ صَائِرِينَ إِلَى الْإِيمَان، وتهيئة نَفسه أَنْ تَتَحَمَّلَ مَا سَيَلْقَاهُ مِنْ عِنَادِهِمْ رَأْفَةً من ربه بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُقْتَضِيَةِ الْحُصُولَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ إِنِ اسْتَمَرَّ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ وَبَيَانُهُ مُرَادٌ بِهِ الْقُرْآنُ، لِأَنَّهُ لِحُضُورِهِ فِي الْأَذْهَانِ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي مَقَامِ نُزُولِ الْآيَةِ فَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ. وَبَيَّنَ بِأَنَّهُ الْحَدِيثُ.
وَالْحَدِيثُ: الْخَبَرُ. وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، إِذِ الْحَدِيثُ هُوَ الْكَلَامُ الطَّوِيلُ الْمُتَضَمِّنُ أَخْبَارًا وَقِصَصًا. سُمِّي الْحَدِيثُ حَدِيثًا بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَمْرِ الْحَدِيثِ، أَيِ الَّذِي حَدَثَ وَجَدَّ، أَيِ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَجَدَّةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا الْمُخَاطَبُ، فَالْحَدِيثُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [٢٣] .
وأَسَفاً مَفْعُولٌ لَهُ مِنْ باخِعٌ نَفْسَكَ أَيْ قَاتِلُهَا لِأَجْلِ شَدَّةِ الْحُزْنِ، وَالشَّرْطُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمَفْعُولَيْنِ، وَلَا جَوَابَ لَهُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْجَوَابِ بِمَا قبل الشَّرْط.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute