وَالْآخِرَةُ ضد الأولى.
وَلَا مَاتَ «ليسوؤوا، وَلِيَدْخُلُوا، وَلِيُتَبِّرُوا» لِلتَّعْلِيلِ، وَلَيْسَتْ لِلْأَمْرِ لِاتِّفَاقِ الْقِرَاءَاتِ
الْمَشْهُورَةِ عَلَى كَسْرِ اللَّامَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَا لَامَيْ أَمْرٍ لَكَانَا سَاكِنَيْنِ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ، فَيَتَعَيَّنُ أَن اللَّام الأول لَامُ أَمْرٍ (١) لَا لَامُ جَرٍّ. وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عبادا لنا ليسوؤا وُجُوهَكُمْ إِلَخْ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَر، وَيَعْقُوب لِيَسُوؤُا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ مِثْلَ أَخَوَاتِهِ الْأَفْعَالِ الْأَرْبَعَةِ. وَالضَّمَائِرُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْلِيلِ فِي قَوْله: لِيَسُوؤُا إِذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: ٥] ، فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عبادا لنا ليسوؤوا وُجُوهَكُمْ. وَلَيْسَتْ عَائِدَةً إِلَى قَوْلِهِ: عِباداً لَنا الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الْإِسْرَاء: ٥] ، لِأَن الَّذين أساؤوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ هَذِهِ الْمَرَّةَ أُمَّةٌ غَيْرُ الَّذِينَ جَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ حَسَبِ شَهَادَةِ التَّارِيخِ وَأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٍ لِيَسُوءَ بِالْإِفْرَادِ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ لِنَسُوءَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَتَوْجِيهُ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَفْتُوحَةَ بَعْدَ الْوَاوِ قَدْ تُرْسَمُ بِصُورَةِ أَلْفٍ، فَالرَّسْمُ يَسْمَحُ بِقِرَاءَةِ وَاوِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ أَلِفَ الْفَرْقِ وَبِقِرَاءَتَيِ الْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ عَلَامَةُ الْهَمْزَةِ.
وَضَمِيرَا «لِيَسُوءُوا وليدخلوا» عَائِدَانِ إِلَى عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: ٥] بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ لَا بِاعْتِبَار مَا صدق الْمَعَادِ، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، أَيْ نِصْفُ صَاحِبِ اسْمِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ تَعْوِيلٌ عَلَى الْقَرِينَةِ لِاقْتِضَاءِ السِّيَاقِ بُعْدَ الزَّمَنِ بَيْنَ الْمَرَّتَيْنِ: فَكَانَ هَذَا الْإِضْمَارُ مِنَ الْإِيجَازِ.
(١) انْظُر أول الْفَقْرَة وَمَا يَجِيء بعد فِي الْفَقْرَة الموالية (الناشر) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute