وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. قِيلَ: إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا، وَهُمَا وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ- إِلَى قَوْله قَلِيلًا [الْإِسْرَاء: ٧٣- ٧٦] . وَقِيلَ: إِلَّا أَرْبَعًا، هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ [الْإِسْرَاء: ٦٠] وَقَوْلُهُ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٨٠] . وَقِيلَ: إِلَّا خَمْسًا، هَاتِهِ الْأَرْبَعُ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِلَى آخر السُّورَة [الْإِسْرَاء: ١٠٧] . وَقِيلَ: إِلَّا خَمْسَ آيَاتٍ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ الْمُبْتَدَأَةُ بِقَوْلِهِ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٣٣] ، وَقَوْلُهُ:
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٣٢] ، وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْآيَة
[الْإِسْرَاء: ٥٧] ، وَقَوْلُهُ: أَقِمِ الصَّلاةَ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٧٨] ، وَقَوْلُهُ: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٢٦] . وَقِيلَ إِلَّا ثَمَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ- إِلَى قَوْلِهِ- سُلْطاناً نَصِيراً [الْإِسْرَاء: ٧٣- ٨٠] .
وَأَحْسَبُ أَنَّ مَنْشَأَ هَاتِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَقْوَالُ يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ الْآيَ لَا تُنَاسِبُ حَالَةَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ أَنَّ تِلْكَ الْآيَ مَدَنِيَّةٌ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِتَفْسِيرِهَا.
وَيَظْهَرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زمن كثرت فِيهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ، وَأَخَذَ التَّشْرِيعُ الْمُتَعَلِّقُ بِمُعَامَلَاتِ جَمَاعَتِهِمْ يَتَطَرَّقُ إِلَى نُفُوسِهِمْ، فَقَدْ ذُكِرَتْ فِيهَا أَحْكَامٌ مُتَتَالِيَةٌ لَمْ تُذْكَرْ أَمْثَالُ عَدَدِهَا فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ غَيْرِهَا عَدَا سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إِلَى قَوْلِهِ: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً [الْإِسْرَاء: ٢٣- ٣٨] .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِسْرَاءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ عَقِبَ وُقُوع الْإِسْرَاء بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ قَدْ نَزَلَتْ فِي حُدُودِ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَهِيَ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي مُنْتَصَفِ السَّنَةِ.
وَلَيْسَ افْتِتَاحُهَا بِذِكْرِ الْإِسْرَاءِ مُقْتَضِيًا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِبَ وُقُوعِ الْإِسْرَاءِ. بَلْ يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ بِمُدَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute