وَهَذِهِ نِعْمَةُ الْإِلْهَامِ إِلَى اتِّخَاذِ الْمَسَاكِنِ وَذَلِكَ أَصْلُ حِفْظِ النَّوْعِ مِنْ غَوَائِلِ حَوَادِثِ الْجَوِّ مِنْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَمِنْ غَوَائِلِ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِ. وَهِيَ أَيْضًا أَصْلُ الْحَضَارَةِ وَالتَّمَدُّنِ لِأَنَّ الْبُلْدَانَ وَمَنَازِلَ الْقَبَائِلِ تَتَقَوَّمُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْبُيُوتِ. وَأَيْضًا تَتَقَوَّمُ مِنْ مُجْتَمَعِ الْحُلَلِ وَالْخِيَامِ.
وَالْقَوْلُ فِي نَظْمِ جُمْلَةِ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ كَالْقَوْلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَبُيُوتٌ: يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرُهَا، وَهُوَ جَمْعُ بَيْتٍ. وَضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ عَلَى وَزْنِ فُعُولٌ، وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي جَمْعِ فَعْلٍ- بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ-. وَأَمَّا لُغَةُ- كَسْرِ الْبَاءِ- فَلِمُنَاسَبَةِ وُقُوعِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ حَرَكَةِ الضَّمِّ إِلَى النُّطْقِ بِالْيَاءِ ثَقِيلٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ لَا يَعْرِفُونَ الْكَسْرَ (أَيْ لَا يَعْرِفُونَهُ لُغَةً) وَبَيَّنَ أَبُو عَلِيٍّ جَوَازَهُ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَبِالْكَسْرِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ. وَقَرَأَهَا بِالضَّمِّ أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ.
وَالْبَيْتُ: مَكَانٌ يُجْعَلُ لَهُ بِنَاءٌ وَفُسْطَاطٌ يُحِيطُ بِهِ يُعَيِّنُ مَكَانَهُ لِيَتَّخِذَهُ جَاعِلُهُ مَقَرًّا يَأْوِي إِلَيْهِ وَيَسْتَكِنُّ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ. وَقَدْ يَكُونُ مُحِيطُهُ مِنْ حَجَرٍ وَطِينٍ وَيُسَمَّى جِدَارًا، أَوْ مِنْ أَخْشَابٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْأَخْصَاصُ. وَيُوضَعُ فَوْقَ مُحِيطِهِ غِطَاءٌ سَاتِرٌ مِنْ أَعْلَاهُ يُسَمَّى السَّقْفُ، يُتَّخَذُ مِنْ أَعْوَادٍ وَيُطَيَّنُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ بُيُوتُ أَهْلِ الْمُدُنِ وَالْقُرَى.
وَقَدْ يَكُونُ الْمُحِيطُ بِالْبَيْتِ مُتَّخَذًا مِنْ أَدِيمٍ مَدْبُوغٍ وَيُسَمَّى الْقُبَّةَ، أَوْ مِنْ أَثْوَابٍ تُنْسَجُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ وَيُسَمَّى الْخَيْمَةَ أَوِ الْخِبَاءَ، وَكُلُّهَا يَكُونُ بِشَكْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْهَرَمِيِّ تَلْتَقِي شُقَّتَاهُ أَوْ شُقَقُهُ مِنْ أَعْلَاهُ مُعْتَمِدَةً عَلَى عَمُودٍ وَتَنْحَدِرُ مِنْهُ مُتَّسِعَةً عَلَى شَكْلٍ مَخْرُوطٍ.
وَهَذِهِ بُيُوتُ الْأَعْرَابِ فِي الْبَوَادِي أَهْلِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ يَتَّخِذُونَهَا لِأَنَّهَا أَسْعَدُ لَهُمْ فِي انْتِجَاعِهِمْ، فَيَنْقُلُونَهَا مَعَهُمْ إِذَا انْتَقَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute