وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نُبَشِّرُكَ- بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمَكْسُورَةِ مُضَارِعُ بَشَّرَ بِالتَّشْدِيدِ-. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَحْدَهُ نُبَشِّرُكَ- بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الشِّينِ- وَهِيَ لُغَةٌ. يُقَالُ بَشَّرَهُ يُبَشِّرُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَبَشَّرْتُمُونِي لِلتَّعَجُّبِ.
وعَلى بِمَعْنَى (مَعَ) : دَالَّةٌ عَلَى شِدَّةِ اقْتِرَانِ الْبِشَارَةِ بِمَسِّ الْكِبَرِ إِيَّاهُ.
وَالْمَسُّ: الْإِصَابَةُ. وَالْمَعْنَى تَعَجَّبَ مِنْ بِشَارَتِهِ بِوَلَدٍ مَعَ أَنَّ الْكِبَرَ مَسَّهُ.
وَأُكِّدَ هَذَا التَّعَجُّبُ بِالِاسْتِفْهَامِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ. نَزَلَ الْأَمْرُ الْعَجِيبُ الْمَعْلُومُ مَنْزِلَةَ الْأَمْرِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ لِأَنَّهُ يَكَادُ يَكُونُ غَيْرَ مَعْلُومٍ.
وَقَدْ عَلِمَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الْبِشَارَةِ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ صَادِقُونَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّعَجُّبِ.
وَحَذْفُ مَفْعُولِ «بَشَّرْتُمُونِي» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
قَرَأَ نَافِعٌ تُبَشِّرُونِ- بِكَسْرِ النُّونِ مُخَفَّفَةً دُونَ إِشْبَاعٍ- عَلَى حَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ وَحَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فَصِيحٌ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً- عَلَى حَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ خَاصَّةً. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ- بِفَتْحِ النُّونِ- عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمقَام، أَي تبشرونني.
وَجَوَابُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ بِأَنَّهُمْ بَشَّرُوهُ بِالْخَبَرِ الْحَقِّ، أَيِ الثَّابِتِ لَا شَكَّ فِيهِ إِبْطَالًا لِمَا اقْتَضَاهُ اسْتِفْهَامُهُ بِقَوْلِهِ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ مِنْ أَنَّ مَا بَشَّرُوهُ بِهِ أَمْرٌ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِيًا وَبَاطِلًا. فَكَلَامُهُمْ رَدٌّ لِكَلَامِهِ وَلَيْسَ جَوَابًا عَلَى اسْتِفْهَامِهِ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
ثُمَّ نَهَوْهُ عَنِ اسْتِبْعَادِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ اسْتِبْعَادُ رَحْمَةِ الْقَدِيرِ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُبَشِّرِينَ بِهَا مُرْسَلُونَ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتِبْعَادُ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute