للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ يَكْفُرْ عَاطِفَةٌ جُمْلَةَ الشَّرْطِ عَلَى جُمْلَةِ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ

الْكِتابَ عُقِّبَتْ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ وَفُرِّعَتْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الْأَنْعَام: ٧٤] هُوَ تَشْوِيهُ أَمْرِ الشِّرْكِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى فَسَادِهِ بِنَبْذِ أَهْلِ الْفضل وَالْخَيْر إيّاه، فَكَانَ لِلْفَاءِ الْعَاطِفَةِ عَقِبَ ذَلِكَ مَوْقِعٌ بَدِيعٌ مِنْ أَحْكَامِ نَظْمِ الْكَلَامِ.

وَضَمِيرُ بِها عَائِدٌ إِلَى الْمَذْكُورَاتِ: الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوءَةِ. وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ:

هؤُلاءِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ فِي أَذْهَانِ السَّامِعِينَ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ «فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ» (يَعْنِي النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . وَفِي «الْبُخَارِيِّ» قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ (يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) .

وَقَدْ تَقَصَّيْتُ مَوَاقِعَ آيِ الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُهُ يُعَبِّرُ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَثِيرًا بِكَلِمَةٍ (هَؤُلَاءِ) ، كَقَوْلِهِ بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ [الزخرف: ٢٩] وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.

وَكُفْرُ الْمُشْرِكِينَ بِنُبُوءَةِ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعٌ لكفرهم بمحمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدُ أَنَّهُمْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَام: ٩١] .

وَمَعْنَى: وَكَّلْنا بِها وَفَّقْنَا لِلْإِيمَانِ بِهَا وَمُرَاعَاتِهَا وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا. فَالتَّوْكِيلُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْكِيلِ إِسْنَادُ صَاحِبِ الشَّيْءِ تَدْبِيرِ شَيْئِهِ إِلَى مَنْ يَتَوَلَّى تَدْبِيرَهُ وَيَكْفِيهِ كُلْفَةَ حِفْظِهِ وَرِعَايَةِ مَا بِهِ بَقَاؤُهُ وَصَلَاحُهُ وَنَمَاؤُهُ. يُقَالُ: وَكَّلْتُهُ عَلَى الشَّيْءِ وَوَكَّلْتُهُ بِالشَّيْءِ فَيَتَعَدَّى بِعَلَى وَبِالْبَاءِ. وَقَدِ اسْتُعِيرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلتَّوْفِيقِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالنُّبُوءَةِ وَالْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنَّظَرِ فِي مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَرِعَايَتِهِ تَشْبِيهًا لِتِلْكَ الرِّعَايَةِ بِرِعَايَةِ الْوَكِيلِ، وَتَشْبِيهًا لِلتَّوْفِيقِ إِلَيْهَا بِإِسْنَادِ النَّظَرِ إِلَى الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ بِيَدِ الْوَكِيلِ مَعَ حِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ، فَكَانَتِ اسْتِعَارَةُ وَكَّلْنا لِهَذَا الْمَعْنَى إِيجَازًا