وَالْقَوْلُ فِي نَصْبِ (خَيْرًا) مِنْ قَوْلِهِ: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ [النِّسَاء: ١٧٠] . وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ قَصْرُ مَوْصُوفٍ
عَلَى صِفَةٍ، لِأَنَّ (إِنَّمَا) يَلِيهَا الْمَقْصُورُ، وَهُوَ هُنَا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ لَيْسَ اللَّهُ بِثَلَاثَةٍ.
وَقَوْلُهُ: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ إِظْهَارٌ لِغَلَطِهِمْ فِي أَفْهَامِهِمْ، وَفِي إِطْلَاقَاتِهِمْ لَفْظَ الْأَبِ وَالِابْنِ كَيْفَمَا كَانَ مَحْمَلُهُمَا لِأَنَّهُمَا إِمَّا ضَلَالَةٌ وَإِمَّا إِيهَامُهَا، فَكَلِمَةُ (سُبْحَانَهُ) تُفِيدُ قُوَّةَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى غَلَطِ مُثْبِتِيهِ، فَإِنَّ الْإِلَهِيَّةَ تُنَافِي الْكَوْنَ أَبًا وَاتِّخَاذَ ابْنٍ، لِاسْتِحَالَةِ الْفَنَاءِ، وَالِاحْتِيَاجِ، وَالِانْفِصَالِ، وَالْمُمَاثَلَةِ لِلْمَخْلُوقَاتِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْبُنُوَّةُ تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ هَذِهِ الْمُسْتَحِيلَاتِ لِأَنَّ النَّسْلَ قَانُونٌ كَوْنِيٌّ لِلْمَوْجُودَاتِ لِحِكْمَةِ اسْتِبْقَاءِ النَّوْعِ، وَالنَّاسُ يَتَطَلَّبُونَهَا لِذَلِكَ، وَلِلْإِعَانَةِ عَلَى لَوَازِمِ الْحَيَاةِ، وَفِيهَا انْفِصَالُ الْمَوْلُودِ عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهَا أنّ الابْن مماثلة لِأَبِيهِ فَأَبُوهُ مُمَاثِلٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ.
وَ (سُبْحَانَ) اسْمُ مَصْدَرِ سَبَّحَ، وَلَيْسَ مَصْدَرًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِعْلٌ سَالِمٌ. وَجَزَمَ ابْنُ جِنِّي بِأَنَّهُ عَلَمٌ عَلَى التَّسْبِيحِ، فَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالزِّيَادَةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٢] .
وَقَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ مُتَعَلِّقٌ بِ (سُبْحَانَ) حرف الْجَرِّ، وَهُوَ حَرْفُ (عَنْ) مَحْذُوفًا.
وَجُمْلَةُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْضِ قَدِ اسْتَغْنَى عَنِ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ وَلَدٌ لَهُ هُوَ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَالْمَلَائِكَةِ أَوِ الْمَسِيحِ، فَالْكُلُّ عَبِيدُهُ وَلَيْسَ الِابْنُ بِعَبْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute