الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ، إِذْ سَمَّى اللَّهُ ذَلِكَ إِذْنًا وَلَمْ يُسَمِّهِ عَقْدًا، وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْإِذْنَ يُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِ (انْكِحُوهُنَّ) .
وَالْقَوْلُ فِي الْأُجُورِ وَالْمَعْرُوفِ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَآتُوهُنَّ وَإِضَافَةَ الْأُجُورِ إِلَيْهِنَّ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ أَحَقُّ بِمَهْرِهَا مِنْ سَيِّدِهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ، مِنَ الْمُدَوَّنَةِ: إِنَّ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُجَهِّزَهَا بِمَهْرِهَا. وَوَقَعَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي مِنْهَا: إِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَأْخُذَ مَهْرَهَا، فَقِيلَ: هُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إِذَا لَمْ تُبَوَّأْ أَوْ إِذَا جَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى تُبَوَّأُ إِذَا جَعَلَ سُكْنَاهَا مَعَ زَوْجِهَا فِي بَيْتِ سَيِّدِهَا.
وَقَوله: مُحْصَناتٍ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْإِمَاءِ، وَالْإِحْصَانُ التَّزَوُّجُ الصَّحِيحُ، فَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ لِيَصِرْنَ مُحْصَنَاتٍ.
وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُسافِحاتٍ صِفَةٌ لِلْحَالِ، وَكَذَلِكَ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ قُصِدَ مِنْهَا تَفْظِيعُ مَا كَانَتْ تَرْتَكِبُهُ الْإِمَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِإِذْنِ مَوَالِيهِنَّ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ بِالْبِغَاءِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ قَرِيبًا عَصْرُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ.
والمسافحات الزَّوَانِي مَعَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. ومتّخذات الْأَخْدَانِ هُنَّ مُتَّخِذَاتُ أَخِلَّاءٍ تَتَّخِذُ الْوَاحِدَةُ خَلِيلًا تَخْتَصُّ بِهِ لَا تَأْلَفُ غَيْرَهُ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّعَدُّدِ، إِلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ مِنْ جِهَةِ التَّسَتُّرِ وَجَهْلِ النَّسَبِ وَخَلْعِ بُرْقُعِ الْمُرُوءَةِ، وَلِذَلِكَ عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ:
غَيْرَ مُسافِحاتٍ سدّ المداخل الزِّنَى كُلِّهَا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَنْوَاعِ الْمُعَاشَرَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ- بِكَسْرِ الصَّادِ- وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِفَتْحِ الصَّادِ-.
وَقَوْلُهُ: فَإِذا أُحْصِنَّ أَيْ أَحْصَنَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، أَيْ فَإِذَا تَزَوَّجْنَ. فَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ التَّزَوُّجَ شَرْطٌ فِي إِقَامَة حدّ الزِّنَا عَلَى الْإِمَاءِ، وَأَنَّ الْحَدَّ هُوَ الْجَلْدُ الْمُعَيَّنُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ التَّنْصِيفُ بِالْعَدَدِ. وَاعْلَمْ أَنَّا إِذَا جَرَيْنَا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْمَاضِيَةِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ شَرْعِ حَدِّ الْجَلْدِ لِلزَّانِيَةِ وَالزَّانِي بِآيَةِ سُورَةِ النُّورِ. فَتَكُونَ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الزَّانِيَةِ بِغَيْرِ الْأَمَةِ، وَيَكُونَ وَضْعُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute