للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاحشة: الزنى. {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ:} ظلم النفس هو ما دون الزنى، مثل القبلة، والمعانقة، واللمس، والنظر. {ذَكَرُوا اللهَ:} ذكروا وعيد الله، وعقابه، ووقوفهم بين يديه حين يسألهم عن أعمالهم يوم الفزع الأكبر، ذكروا عظمته، وكبرياءه. {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أي: لأجل ذنوبهم، فتابوا منها، وأقلعوا عنها، نادمين على فعلها، عازمين على ألا يعودوا إليها. وهذه شروط التوبة المقبولة من حقّ الله، وأمّا التوبة من حقّ العبد؛ فلها شرط رابع، وهو ردّ الحقّ إلى صاحبه.

{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ} أي: لا يغفر الذنوب إلا الله. وصف سبحانه نفسه بسعة الرحمة، وقرب المغفرة، وأن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا إلى فضله، وكرمه، وعفوه، ورحمته، وإحسانه. وفيه تنبيه على: أنّ العبد لا يطلب المغفرة إلا منه، وأنّه القادر على عقاب المذنب، وكذلك هو القادر على إزالة ذلك العقاب عنه، فثبت: أنّه لا يجوز طلب المغفرة إلا منه، عزّ وجل.

{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا} يعني: ولم يقيموا على الذنوب، ولم يستمرّوا عليها، ولكن تابوا منها، وأنابوا، واستغفروا. والإصرار: هو العزم بالقلب على ترك الأمر، والإقلاع عنه، ومنه صرّ الدّنانير، أي: الربط عليها. وقال قتادة: الإصرار: الثبوت على المعاصي، قال الشاعر: [البسيط]

يصرّ باللّيل ما تخفي شواكله... يا ويح كلّ مصرّ القلب ختّار

قال سهل بن عبد الله-رحمه الله تعالى-الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصر هالك. والإصرار هو التّسويف، والتّسويف أن يقول: أتوب غدا. وبمعنى الثبوت قوله تعالى في سورة (الجاثية) رقم [٨]: {يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها،} وفي سورة (الواقعة) قوله تعالى: {وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}. وقيل: الإصرار: ترك الاستغفار.

فعن أبي بكر-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أصرّ من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة». الترمذيّ.

{وَهُمْ يَعْلَمُونَ:} فيه أقوال كثيرة، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: وهم يعلمون: أنها معصية، وأنّ لهم ربّا يغفرها. وقيل: وهم يعلمون: أن الإصرار ضارّ. وقيل: وهم يعلمون: أنّ الله ملك مغفرة الذنب. وقيل: وهم يعلمون: أنّ الله لا يتعاظمه العفو عن الذنوب؛ وإن كثرت.

وقيل: وهم يعلمون: أنهم إن استغفروه؛ غفر لهم. قال ثابت البناني-رحمه الله تعالى-: بلغني:

أنّ إبليس بكى حين نزلت الآية الكريمة. وذكر في مختصر ابن كثير عن أنس-رضي الله عنه-.

بعد هذا: فقد ندبنا الله عز وجل في كثير من الآيات القرآنيّة إلى الاستغفار، وحثّنا عليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أحاديثه الكثيرة الصّحيحة. وخذ من ذلك ما يلي: فعن عليّ-رضي الله عنه- قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدّثني عنه غيره؛ استحلفته، فإذا حلف لي؛ صدّقته، وإنّ أبا بكر-رضي الله عنه-حدّثني، وصدق: أنّه سمع

<<  <  ج: ص:  >  >>