للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي: إذا ثار بهم الغيظ؛ كظموه، بمعنى: كتموه، فلم يعملوه، وعفوا عمّن أساء إليهم، وقد ورد في بعض الآثار: يقول الله عز وجل: «يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت، فلا أهلك فيما أهلك». رواه ابن أبي حاتم. والغيظ: شدّة الغضب، ومنه رجل كظيم، ومكظوم: إذا كان ممتلئا غمّا، وحزنا. قال تعالى في حقّ «يعقوب» على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}. وقال تعالى في من يسوءه ولادة الأنثى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. وقال تعالى في حقّ «ذي النّون» على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ}. والغيظ: أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما: أنّ الغيظ لا يظهر على الجوارح، بخلاف الغضب، فإنّه يظهر على الجوارح مع فعل ما، ولا بدّ، ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى: أنّه هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، وخذ ما يلي:

فعن معاذ بن أنس-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كظم غيظا، وهو قادر على أن ينفّذه؛ دعاه الله سبحانه على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من الحور العين ما شاء». رواه أبو داود، والترمذيّ.

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب». رواه البخاريّ، ومسلم، وغيرهما. وانظر الترغيب، والترهيب للحافظ المنذري؛ إن أردت الزيادة.

{وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ:} يعفون عمّن أساء إليهم، أو ظلمهم، والعفو عن الناس أجلّ ضروب فعل الخير، والإحسان، والأحاديث المرغّبة في ذلك كثيرة، أكتفي منها هنا بما يلي:

عن أبي كبشة الأنماريّ-رضي الله عنه-: أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ، وأحدّثكم حديثا، فاحفظوه. قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلاّ زاده الله عزّا، فاعفوا؛ يعزّكم الله، ولا فتح عبد باب مسألة إلاّ فتح الله عليه باب فقر». رواه أحمد، والترمذي. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلاّ عزّا، وما تواضع أحد لله؛ إلاّ رفعه الله عزّ وجلّ». رواه مسلم، والترمذيّ. وروى أنس: أنّ رجلا قال: يا رسول الله! ما أشدّ من كلّ شيء؟ قال: «غضب الله» قال: فما ينجي من غضب الله؟ قال: «لا تغضب». قال العرجي: [الكامل]

وإذا غضبت فكن وقورا كاظما... للغيظ تبصر ما تقول وتسمع

فكفى به شرفا تصبّر ساعة... يرضى بها عنك الإله وترفع

وقال عروة بن الزّبير-رضي الله عنهما-في العفو: [البسيط]

لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا... حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام

<<  <  ج: ص:  >  >>