للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسدها، والمعنى من أدى حقوق الناس، ووفى بعهوده، ووعوده، واتقى الله، وخافه في جميع تصرفاته؛ فإنّ الله يحبه، ويرحمه، ويدخله جنته. هذا؛ والمراد ب‍ {مَنْ} الجماعة، والناس، وقد وضع الظاهر؛ أي: {الْمُتَّقِينَ} موضع المضمر، فإن الأصل: يحبهم، وذلك لإظهار شرف الموفين بعهد الله، والخائفين منه. هذا؛ وقيل: نزلت الآية في عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-وليس ذلك ببعيد، ومع ذلك فهي تعمّ كلّ من يفعل ذلك إلى يوم القيامة؛ لأن خصوص السبب لا يمنع التعميم.

هذا؛ و «بلى» حرف جواب، ك‍ (نعم)، وجير، وأجل، وإي، إلا أنّ «بلى» حرف جواب لنفي متقدّم؛ أي: وإبطال، ونقض، وإيجاب له، سواء دخله الاستفهام، أم لا؟ فتكون إيجابا له، نحو قول القائل: ما قام زيد، فتقول: بلى، أي: قام. وقوله: أليس زيد قائما؟ فتقول:

بلى. أي: هو قائم، قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٧٢]: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لو قالوا: نعم؛ لكفروا.

هذا؛ وعهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود؛ الأول: العهد الذي أخذه على جميع ذرية آدم-عليه السّلام-بأن يقرّوا بربوبيته، وهو قوله تعالى في سورة (الأعراف): {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا}. والعهد الثاني: خص به النبيين أن يبلغوا الرسالة، ويقيموا الدّين، وهو قوله تعالى في سورة (الأحزاب) رقم [٧]: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ..}. إلخ. والعهد الثالث: خصّ به العلماء من كلّ أمة، وهو قوله في هذه السورة رقم [١٨٧]: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}.

الإعراب: {بَلى:} حرف جواب في محل نصب مقول القول؛ إذ التقدير: قل: يا محمد: بلى.

{مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَوْفى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى ({مَنْ}). {بِعَهْدِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَاتَّقى:} الواو: حرف عطف. ({اِتَّقى}): معطوف على ما قبله، فهو مثله في محل جزم، والفاعل يعود إلى: {مَنْ} أيضا. {فَإِنَّ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (إن): حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {يُحِبُّ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:

{اللهَ}. {الْمُتَّقِينَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إن). والجملة الاسمية: {فَإِنَّ اللهَ..}. إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محلّ لها؛ لأنها لم تحلّ محل المفرد، وخبر المبتدأ الذي هو ({مَنْ}) مختلف فيه، كما رأيت فيما سبق، هذا وإن اعتبرت ({مَنْ}) اسما موصولا؛ فهي مبتدأ، والجملة الفعلية بعدها صلتها، والجملة الاسمية: {فَإِنَّ اللهَ..}.

إلخ في محل رفع خبرها، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأنّ الموصول يشبه الشرط في العموم، والجملة الاسمية {مَنْ أَوْفى..}. إلخ على الوجهين مستأنفة، لا محل لها. وقيل: جواب الشرط أو الخبر محذوف: تقديره: يحبه الله. ودل على حذفه قوله: {فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} انتهى جمل نقلا من السّمين. وهو قول ابن هشام في المغني، وعليه؛ فالجملة الاسمية هذه تعليلية، لا محل لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>