هذا؛ والمراد بالآخرة: الحياة الثانية؛ التي تكون بعد الموت، ثمّ بعد البعث، ثم بعد الحساب، والجزاء، ودخول الجنة، والخلود فيها، أو دخول النار، والخلود فيها. والأولى لمن آمن، وعمل صالحا، والثانية لمن كفر، وعمل سيئا. ورحم الله من يقول: [البسيط]
الموت باب وكلّ النّاس داخله... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟!
ورحم الله من أجابه بقوله: [البسيط]
الدار جنّة عدن إن عملت بما... يرضي الإله وإن خالفت فالنّار
هما محلاّن ما للنّاس غيرهما... فانظر لنفسك ماذا أنت مختار
أما الكفر: فهو ضدّ الإيمان، وهو المراد في الآية، وقد يكون بمعنى جحود النعمة، والإحسان، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في النّساء في حديث الكسوف: وأريت النّار، فلم أر منظرا كاليوم قطّ أفظع، ورأيت أكثر أهلها النّساء. قيل: بم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهنّ». قيل: أيكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهر كلّه، ثمّ رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ». أخرجه البخاريّ برقم (١٠٥٢) وغيره، ويروى بأطول من هذا من رواية أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-، وأصل الكفر في كلام العرب. السّتر، والتغطية. قال لبيد-رضي الله عنه-في معلقته رقم [٤٢] في وصف بقرة وحشية: [الكامل]
يعلو طريقة متنها متواتر... في ليلة كفر النّجوم غمامها
وسمّي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه، ويستره بالتراب. قال تعالى في تشبيه حال الدنيا في سورة (الحديد) رقم [٢٠]: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ}. ويسمى الليل كافرا؛ لأنه يستر كل شيء بظلمته، قال لبيد في معلقته رقم [٦٥]: [الكامل]
حتّى إذا ألقت يدا في كافر... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها
كما يطلق لفظ الكافر على النّهر، قال المتلمّس حين ألقى الصّحيفة في النّهر: [الطويل]
وألقيتها بالثّني من جنب كافر... كذلك ألقي كلّ رأي مضلّل
رضيت لها بالماء لمّا رأيتها... يجول بها التّيار في كلّ جدول
هذا؛ وكفر فلان النعمة، يكفرها، كفرا، أو كفورا، وكفرانا: إذا جحدها، وسترها، وأخفاها. قال تعالى في سورة (إبراهيم) -على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-:
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} وقال القطامي: -وهو الشاهد رقم [٥٣١] من كتابنا: «فتح رب البريّة» -: [الوافر]
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي... وبعد عطائك المئة الرّتاعا