هذا؛ وقال الكوفيّون: فإنّ الأصل في: {اللهُمَّ} يا الله آمنّا بخير. والأول هو المعتمد.
{مالِكَ الْمُلْكِ:} يتصرّف فيما يمكن التصرف فيه تصرف الملاّك فيما يملكون. {تُؤْتِي الْمُلْكَ:}
تعطي، وتمنح من تشاء النصيب الذي قسمت له من الملك. {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ:} تسلب، وتسترد الملك ممّن تشاء أن تنزعه منه. {وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ:} يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالنبوّة، والرّسالة، وكلّ مؤمن بالإيمان، {وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ} إذلاله بالكفر، كاليهود، والنّصارى بأخذ الجزية منهم، ونزع النبوة عنهم. {بِيَدِكَ الْخَيْرُ:} يعني: النّصر، والغنيمة. هذا؛ وقد ذكر الله سبحانه الخير، والشرّ من قدرته أيضا، اكتفاء بالمقابل، وإنّما خصّ الخير بالذكر؛ لأنه المرغوب فيه، أو لأنه المقضيّ بالذّات، والشرّ مقضيّ بالعرض؛ إذ لا يوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمن خيرا كلّيّا. {إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:} قادر مقتدر؛ يعني: من إيتاء الملك من تشاء، وإعزاز من تشاء، وإذلال من تشاء.
هذا؛ وفي الآية الكريمة من المحسّنات البديعيّة الطباق بين:(تؤتي، وتنزع) وبين: (تعزّ، وتذلّ)، والإيجاز بالحذف، حيث حذف مفعول الأفعال الأربعة، كما تراه في الإعراب، وكذلك الاقتصار على ذكر الخير، دون ذكر الشرّ، فإن فيه تعليم الأدب لنا مع الله، فالشرّ لا ينسب إليه تعالى أدبا، وإن كان منه خلقا، وتقديرا، كما قال تعالى في (سورة النّساء) رقم [٧٨]: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} ومع ذلك قال تعالى في الآية بعدها: {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.
تنبيه: ذكر البيضاوي-رحمه الله تعالى-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعد أصحابه ملك كسرى، وقيصر، وهم في أشدّ المحن، وذلك في غزوة الخندق المسماة بغزوة الأحزاب أيضا، فقال المنافقون:
هيهات! هيهات! ما يعدنا محمد إلا غرورا، يعدنا ملك كسرى، وقيصر، وأحدنا لا يجرؤ على البراز خارجا، فنزلت الآية الكريمة. وانظر سورة (الأحزاب).
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة؛ وعد أمّته ملك فارس، والروم، فقال المنافقون، واليهود: هيهات! هيهات! من أين لمحمد ملك فارس، والروم، وهم أعزّ، وأمنع من ذلك؟! ألم يكف محمدا مكة، والمدينة حتى طمع في ملك فارس، والروم؟! فأنزل الله هذه الآية. وهذا ضعيف، ويضعّفه: أنّ اليهود قد قضي عليهم قبل فتح مكة.
هذا؛ وفي بعض كتب الله المنزلة: أنا الله ملك الملوك، ومالك الملك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني؛ جعلتهم عليهم رحمة، وإن هم عصوني؛ جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك، ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم. هذا؛ و (يشاء) ماضيه:
شاء، وأصله شيء على فعل بكسر العين، بدليل قولك: شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا؛ لتحركها، وانفتاح ما قبلها. ومفعوله محذوف يقدر في هذه الآية على حسب المعنى، ويكثر حذف مفعوله، ومفعول: أراد حتى كاد لا ينطق به إلا في الشيء المستغرب، مثل قوله تعالى