الفيل؛ فليس لكم به يدان، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا، بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا، واثنين، اثنين. وقيل: أراد ب: {النّاسَ} أهل اليمن. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«أتاكم أهل اليمن، هم أضعف قلوبا، وأرقّ أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية». متفق عليه. ودين الله هو الإسلام، وإضافته إليه تشريفا، وتعظيما له، كبيت الله، وناقة الله. فقد ذكر: أنه ورد من اليمن سبعمئة إنسان مؤمنين طائعين، بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرؤون القرآن، وبعضهم يهللون، فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، وبكى عمر، وابن عباس-رضي الله عنهما-.
روى الحافظ البيهقي-رحمه الله تعالى-عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: قال: لما نزلت: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة-رضي الله عنها-وقال:«إنّه قد نعيت إليّ نفسي». فبكت، ثم ضحكت. وقالت: أخبرني: أنه نعيت إليه نفسه، فبكيت، ثم قال:«اصبري فإنك أوّل أهلي لحاقا بي». فضحكت. انتهى. والمحفوظ: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كلمها سرا أولا، وثانيا، ولم تخبر بذلك إلا بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم، وعاشت بعده ستة أشهر فقط. وروى الحديث النسائي بنحو رواية البيهقي.
فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-: قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ النّاس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون من دين الله أفواجا». أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهذا حاصل، وواقع في هذا الزمن، وما بعده أعظم حتى يتحقق قوله صلّى الله عليه وسلّم:«بدأ الدين غريبا وسيعود كما بدأ». هذا؛ وانظر شرح {أَفْواجاً} في الآية رقم [١٨] من سورة (النبأ).
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: إذا صليت فأكثر من التسبيح، والتحميد. والتسبيح: هو التنزيه، والتقديس للملك الجليل؛ أي: نزهه عما لا يليق بجلاله وعظمته مع شكرك له. {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: سل الله الغفران، روى الأئمة (واللفظ للبخاري) عن عائشة-رضي الله عنها-. قالت: ما صلى صلّى الله عليه وسلّم بعد أن نزلت عليه سورة: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول: «سبحانك ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي». وعنها أيضا قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه، وسجوده:«سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي». وفي غير البخاري: وقالت أم سلمة -رضي الله عنها-: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم آخر أمره لا يقوم، ولا يقعد، ولا يجيء، ولا يذهب إلا قال:
«سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه». قال:«فإني أمرت بها». ثم قرأ:{إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخرها. وقال أبو هريرة-رضي الله عنه-: اجتهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه السورة حتى تورمت قدماه، ونحل جسمه، وقل تبسمه، وكثر بكاؤه. وقال عكرمة-رضي الله عنه-: لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قطّ أشدّ اجتهادا في أمور الآخرة، ما كان منه عند نزولها.
وقال مقاتل: لما نزلت؛ قرأها النبي صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه، ومنهم أبو بكر، وعمر، وسعد بن أبي وقاص-رضي الله عنهم أجمعين-ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس-رضي الله عنه-،