و ({أُنَبِّئُكُمْ}) مضارع ماضيه «نبّأ». هذا؛ والأفعال: نبّأ، وأنبأ، وخبّر، وأخبر، وحدّث تتعدى لاثنين: إلى الأول بنفسها، وإلى الثاني بحرف الجر، وقد يحذف الجار تخفيفا، وقد يحذف الأول للدلالة عليه. وقد جاءت الاستعمالات الثلاث في قوله تعالى من سورة (التّحريم): {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} فقوله تعالى: {فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ} تعدى لاثنين، حذف أولهما، والثاني مجرور بالياء، أي: نبأت به غيرها، وقوله:{فَلَمّا نَبَّأَها بِهِ} ذكرهما، وقوله:{مَنْ أَنْبَأَكَ هذا} ذكرهما، وحذف الجار، فالأول تعدى إلى مفعول صريح، وإلى الثاني بحرف الجر، والفعل الثاني مثله، والثالث تعدّى إلى مفعولين صريحين. وهذا إذا لم يدخل:(نبّأ، وأنبأ) على المبتدأ، والخبر؛ جاز أن يكتفى فيها بمفعول واحد، وبمفعولين، فإذا أدخلا على المبتدأ، والخبر؛ تعدّى كلّ واحد إلى ثلاثة مفاعيل، ولم يجز الاقتصار على الاثنين دون الثالث؛ لأن الثالث هو خبر المبتدأ في الأصل، فلا يقتصر دونه، كما لا يقتصر على المبتدأ دون الخبر. ومثال دخول أحدهما على المبتدأ، أو الخبر قولك: نبأت زيدا عمرا منطلقا، أو: أنبأت زيدا عمرا مجتهدا، ففي المثالين يجب نصب ثلاثة مفاعيل. والله وليّ التوفيق. ومن ذلك قول النابغة الذبياني-وهو الشاهد رقم [٢٠] من كتابنا: فتح رب البريّة إعراب شواهد جمع الدروس العربية-: [الكامل]
وأيضا قوله-وهو الشاهد رقم [٢١] من الكتاب المذكور-: [البسيط] نبّئت أنّ أبا قابوس أوعدني... ولا قرار على زار من الأسد
وأيضا قول قيس بن الملوّح-وهو الشاهد رقم [١١٨] من كتابنا فتح القريب المجيب إعراب شواهد مغني اللبيب-: [الطويل]
ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة... إليّ فهلاّ نفس ليلى شفيعها
هذا؛ والنبأ: الخبر وزنا ومعنى، ويقال: النبأ أخصّ من الخبر؛ لأنّ النبأ لا يطلق إلا على كل ما له شأن، وخطر من الأخبار. وقال الراغب: النبأ: خبر ذو فائدة، يحصل به علم، أو غلبة ظنّ، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ؛ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة، وحقّه أن يتعرّى عن الكذب، كالمتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. هذا؛ وقد يجيء الفعل من نبّأ غير مضمن معنى: أعلم، فلذلك يعدى بواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، كما في الآية المذكورة.
{لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المراد: المهاجرون، والأنصار، يعرفهم، ويشوقهم الله إلى الآخرة، قال العلماء: ويدخل في هذا الخطاب كلّ من اتّقى الشرك، فأخبرهم الله: أن ما عنده، أي: الذي ادّخره لهم خير ممّا كان في الدنيا؛ وإن كان محبوبا عندهم، فرغّبهم الله على ترك ما يحبّون لما يرجون.