للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} أي: نهاها عن شهواتها، وما تدعو إليه من معاصي الله تعالى. ويراد بالممدود ما بين السماء والأرض، وقد جاء الهوى بمعنى العشق ممدودا في الشعر، ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وهان على أسماء إن شطّت النّوى... نحنّ إليها والهواء يتوق

وإليك هذين البيتين فإنّهما من النّكت الحسان: [الكامل]

جمع الهواء مع الهوى في مهجتي... فتكاملت في أضلعي ناران

فقصرت بالممدود عن نيل المنى... ومددت بالمقصور في أكفاني

وقال أبو عبيدة-رحمه الله تعالى-: لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر؛ لأنه لا يقال:

فلان يهوى الخير، بل يقال: فلان يحب الخير، وجمعه: أهواء، وجمع الممدود أهوية. وقال الشعبي-رحمه الله تعالى-: إنما سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه إلى النار. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه. وذكر آيات كثيرة. وقال عبد الله ابن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». وقال أبو أمامة الباهلي-رضي الله عنه-سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى».

وقال شداد بن أوس-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله الأمانيّ».

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه؛ فعليك بخاصّة نفسك، ودع عنك أمر العامّة». من حديث طويل، أخرجه ابن ماجه، والترمذي عن أبي أمية الشيباني عن أبي ثعلبة الخشني-رضي الله عنهم-أجمعين. وقال أنس بن مالك-رضي الله عنه-من حديث طويل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«وثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». رواه البيهقي، وغيره.

وقال الأصمعي: سمعت رجلا يقول: [الكامل]

إنّ الهوان هو الهوى قلب اسمه... فإذا هويت فقد لقيت هوانا

وسئل ابن المقفع عن الهوى، فقال: هوان سرقت نونه. فأخذه شاعر فنظمه، فقال: [الكامل]

نون الهوان من الهوى مسروقة... فإذا هويت فقد لقيت هوانا

ولابن دريد-رحمه الله تعالى-قوله: [الطويل]

إذا طالبتك النفس يوما بشهوة... وكان إليها للخلاف طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>