للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سورة (الرحمن): {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ} وقيل: المعنى سنلحق به عارا وسبّة حتى يكون كمن وسم على أنفه. قال القتبي: تقول العرب للرجل يسب سبّة سوء قبيحة باقية: قد وسم ميسم سوء؛ أي: ألصق به عار لا يفارقه، كما أن السمة لا يمحى أثرها. قال جرير: [الكامل]

لمّا وضعت على الفرزدق ميسمي... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل

قال الزمخشري: الوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه، لتقدمه له، ولذلك جعلوه مكان العز، والحمية، واشتقوا منه الأنفة، وقالوا: الأنف في الأنف، وحمي أنفه، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه. فعبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال، والإهانة؛ لأن السمة على الوجه شين وإذلال، فكيف بها على أكرم موضع منه؟!. انتهى.

وفيه استعارة فائقة حيث استعار الخرطوم للأنف؛ لأن أصل الخرطوم للفيل، واستعارته؛ لأنف الإنسان تجعله في غاية الإبداع؛ لأن الغرض الاستهانة به، والاستخفاف.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معنى {سَنَسِمُهُ:} سنخطمه بالسيف. قال: وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف، فلم يزل مخطوما إلى أن مات. وقال قتادة: سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها. وهذا هو المعتمد. هذا؛ وانظر شرح {أَساطِيرُ} في سورة (الأحقاف) رقم [١٧]، أو في سورة (المطففين) رقم [١٣]. وانظر شرح {الْأَوَّلِينَ} فيهما أيضا.

الإعراب: {أَنْ} حرف مصدري ونصب. {كانَ:} فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل نصب ب‍: {أَنْ،} واسمه ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى الموصوف بالصفات المتقدمة.

{ذا:} خبر {كانَ} منصوب، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذا:} مضاف، و {مالٍ:} مضاف إليه. {وَبَنِينَ:} الواو: حرف عطف. (بنين): معطوف على {مالٍ} مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، و {أَنْ} و {كانَ} في تأويل مصدر في محل جر بلام تعليل محذوفة، التقدير: لكونه. والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: يكفر؛ لكونه ذا مال وبنين. ودل على هذا المحذوف قوله تعالى: {إِذا تُتْلى..}. إلخ، ولا يجوز تعليق الجار والمجرور ب‍: {تُتْلى} ولا ب‍: {قالَ؛} لأن ما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبلها؛ لأنها مضافة إلى الجملة التي بعدها، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف، والفعل {قالَ} جواب الجزاء، ولا يعمل فيما قبل الجزاء، وعلى قراءة الاستفهام (أأن) لا يتغير التقدير، والتعليق، كما ذكرت، وأما قراءة كسر الهمزة فتكون: «(إن)» شرطية، و {كانَ} فعل شرطها، وجوابها محذوف، التقدير:

إن كان كذا؛ يكفر، ويجحد. دل عليه ما بعده، وعليه فالجملة الشرطية مستأنفة، ومرتبطة بما بعدها. هذا؛ وأجاز بعضهم تعليق {أَنْ كانَ..}. إلخ بعد تأويله بمصدر بقوله: {مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} وأجاز أبو علي تعليقه ب‍: {عُتُلٍّ،} وهذان القولان ضعيفان. تأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>