للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الذاريات) رقم [٤٩]. هذا؛ و (كان) في القرآن الكريم تأتي على أوجه: تأتي بمعنى الأزل، والأبد، وبمعنى المضي المنقطع، وهو الأصل في معناها، وبمعنى الحال، وبمعنى الاستقبال، وبمعنى «صار»، كما في هذه الاية، وسابقتها، وبمعنى حضر، وحصل، ووجد. وترد للتأكيد، وهي الزائدة، وهي بمعنى الاستمرار في نحو: {وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} فليست على بابها من المضي، وإن المعنى: كان، ولم يزل كائنا إلى يوم القيامة، وإلى أبد الابدين في الدنيا والاخرة. وينبغي أن تعلم: أن الأفعال في هذه الايات قد جاءت بلفظ الماضي، والمراد المستقبل، وإنما جاءت بلفظ الماضي لتحقق الوقوع.

{فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ..}. إلخ: هذا شروع في تفصيل، وشرح أحوال الأزواج الثلاثة، فذكرت أحوالهم أولا على سبيل الإجمال بقوله: {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ..}. إلخ، ثم على سبيل التفصيل بقوله:

{أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ..}. إلخ، وبقوله: {وَأَصْحابُ الْيَمِينِ..}. إلخ، وبقوله: {وَأَصْحابُ الشِّمالِ..}. إلخ. هذا؛ وبين {الْمَيْمَنَةِ} و {الْمَشْئَمَةِ} مطابقة. {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. وقيل: (أصحاب الميمنة) هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ} هم الذين يؤتون كتبهم بشمائلهم. وقيل: (أصحاب الميمنة) هم الذين كانوا ميامين؛ أي: مباركين على أنفسهم، وكانت أعمالهم صالحة في طاعة الله، وهم التابعون لهم بإحسان، و (أصحاب المشأمة) هم المشائيم على أنفسهم، وكانت أعمالهم في المعاصي؛ لأن العرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى. وقيل: (أصحاب الميمنة) هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه، وقال الله تعالى: هؤلاء إلى الجنة، ولا أبالي.

و (أصحاب المشأمة) هم الذين كانوا على شمال آدم عند إخراج الذرية من صلبه، وقال الله تعالى:

هؤلاء إلى النار، ولا أبالي. قاله ابن عباس، والسدي.

والتكرير للتفخيم والتعجيب مثل قوله تعالى في سورة (الحاقة): {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ} وفي سورة (القارعة): {الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ}. والمراد: تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب، وما لأصحاب المشأمة من العقاب.

{وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ:} روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «السّابقون الذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم». ذكره المهدوي، وقال محمد بن كعب القرظي: إنهم الأنبياء. وقال الحسن، وقتادة: هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، لذا قيل:

إنهم أربعة، منهم سابق أمة موسى عليه السّلام، وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى عليه السّلام، وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهما: أبو بكر، وعمر-رضي الله عنهما-. قاله ابن عباس-رضي الله عنهما-حكاه الماوردي. أقول: إذا هم قليلون، والمعنى لا يؤيده؛ لذا فإني أعتمد ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>