هو: ذكر الصّنيعة، وتعداد النّعمة، والمنّان من بني آدم، هو الذي يعطي العطاء، ثم يذكّر من أعطاه، ويعدّد له ما فعله من الخير، مثل أن يقول له: أعطيتك كذا، وفعلت لك كذا، وصنعت معك كذا، وهو تكدير، وتعيير تنكسر منه القلوب، لذا كان مذموما، يمحق الثواب، ويبطله، بل ويغضب الله تعالى، كما بيّنت الآية الكريمة، التي نحن بصدد شرحها، قال عبد الرحمن بن زيد: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلا شيئا، ورأيت أنّ سلامك يثقل عليه؛ فلا تسلّم عليه، والعرب تمدح بترك المنّ، وكتم المعروف، وتذمّ على إظهاره، والمنّ به، قال قائلهم في المدح بترك المنّ:[الرمل]
زاد معروفك عندي عظما... أنّه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته... وهو في العالم مشهور كبير
وقال قائلهم يذم المنّان بالعطاء:[الطويل]
أتيت قليلا ثم أسرعت منّة... فنيلك ممنون لذاك قليل
وقال آخر:[الطويل]
وإنّ امرأ أسدى إليّ صنيعة... وذكرنيها مرّة للئيم
وقال آخر:[البسيط]
أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسن... ليس الكريم إذا أسدى بمنّان
وفي نوابغ الكلم: صنوان: من منح سائله ومنّ، ومن منع نائله وضنّ، وفيها: طعم الآلاء أحلى من المنّ، وهو أمر من اللأواء مع المنّ، والمنّ لا يليق إلا في جانب الله تعالى؛ لأنه المتفضل بما يملكه حقيقة، وغيره لا ملك له حقيقة، فلا يليق به المنّ، كيف لا؟ وقد سمّى نفسه سبحانه: المنان.
{أَذىً:} هو أن يشكو منهم بسبب ما أعطاهم، أو يسمعهم كلاما يجرح به كرامتهم.
{وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ:} في الآخرة، ولا فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة. {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:} على ما خلفوه من الأموال والأولاد؟ ولا على ما فاتهم من الحياة الدنيا، وزهرتها، فلا يأسفون عليها؛ لأنهم صاروا إلى نعيم دائم لا يزول.
تنبيه (بل فائدة): لم يقترن قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} هنا بالفاء، واقترن بها في الآية رقم [٢٧٤] الآتية، وأيضا في الآية رقم [٦٢]، والفرق بينهما: أنّ الموصول هنا لم يضمّن معنى الشرط بخلافه ثمّة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.