وكم موطن لولاي طحت كما هوى... بأجرامه من قلّة النّيق منهوي
والمراد ب:(النجم) هنا الثريا، والعرب تسمي الثريا نجما، وإن كانت في العدد نجوما، يقال:
إنها سبعة أنجم. وهذا قول ابن عباس، وقتادة-رضي الله عنهما-. وعن مجاهد-رحمه الله تعالى- أن المعنى: والقرآن إذا نزل؛ لأنه كان ينزل نجوما؛ أي: مفرقا على حسب مقتضيات الأحوال.
وقيل: المراد: نجوم السماء كلها حين تغرب. وهو قول الحسن؛ قال: أقسم الله بالنجوم إذا غابت. ولا يمتنع أن يعبر عنها بلفظ واحد، ومعناه جمع كقول الراعي النميري:[الطويل] فباتت تعدّ النجم في مستحيرة... سريع بأيدي الاكلين جمودها
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:[الخفيف] أحسن النّجم في السماء الثريّا... والثّريّا في الأرض زين النّساء
وقيل: أراد ب: (النجم) النبات، الذي ليس له ساق، و {هَوى} سقط على الأرض، وقال جعفر الصادق: يعني بالنجم محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ومعنى {إِذا هَوى:} إذا نزل من السماء ليلة المعراج.
والمعتمد الأول. {ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ} أي: ما ضل محمد صلّى الله عليه وسلّم عن الحق، وما حاد عنه. {وَما غَوى} أي: ما صار غاويا. والغي: ضد الرشد، والفرق بين الضلال والغي: أن الضلال هو أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقا أصلا، والغواية أن يكون له إلى مقصده طريق مستقيم، ولكن يحيد عنه، ويتركه، والمعنى: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم مهتد راشد، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال، والغي.
{وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} أي: ما يقول محمد صلّى الله عليه وسلّم قولا عن هوى، وغرض. {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} أي: إن ما يقوله محمد صلّى الله عليه وسلّم وحي من الله لا زيادة فيه، ولا نقصان، كما روى الإمام أحمد-رضي الله عنه-عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-، قال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشر يتكلم في الغضب، والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال:«اكتب فو الّذي نفسي بيده ما خرج مني إلاّ الحقّ». أخرجه أحمد وأبو داود، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«ما أخبرتكم أنه من عند الله، فهو الذي لا شك فيه». وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا أقول إلاّ حقا» قال بعض أصحابه: إنك تداعينا يا رسول الله! قال: «إنّي لا أقول إلا حقا». أخرجه الإمام أحمد.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى} يعني: جبريل عليه السّلام في قول سائر المفسرين، وهو الذي كان ينقل القرآن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكونه شديد القوى: لأنه اقتلع قرى قوم لوط، وحملها على جناحه حتى بلغ بها السماء، ثم قلبها، وصاح صيحة بقوم ثمود، فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه بالوحي