للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي: المسالمة، والمهادنة، قرئ بفتح السين، وكسرها، كما في الاية رقم [٢٠٧] من سورة (البقرة)، والاية رقم [٦١] من سورة (الأنفال) وإن كانت آية (البقرة) بمعنى الإسلام. هذا؛ وأنّث الضمير العائد إلى السلم في آية (الأنفال) بقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها..}. إلخ لحملها على نقيضها، وهو الحرب، والعداوة. قال العباس بن مرداس السلمي الصحابي من أبيات يخاطب بها أبا خراشة خفاف بن ندبة الصحابي أيضا -رضي الله عنهما-: [البسيط] السّلم تأخذ منها ما رضيت به... والحرب يكفيك من أنفاسها جرع

{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} أي: أنتم أعلى منهم شأنا، فإنكم على الحق، وهم على الباطل، وقتالكم لله، وقتالهم للشيطان، وقتلاكم في الجنة، وقتلاهم في النار. أو: أنتم الأعلون في العاقبة، فيكون بشارة لهم بالنصر، والغلبة؛ لأنهم مؤمنون، وإن غلبوا في الظاهر في بعض الأحوال.

هذا؛ و {الْأَعْلَوْنَ} جمع: الأعلى، فحذفت الألف عند الجمع لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، وبقيت الفتحة على اللام لتدلّ عليها. هذا في حالة الرفع، وخذ في حالة النصب قوله تعالى في سورة (ص) رقم [٤٧]: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ}. وأصل الأول: الأعلوون (بواوين) الأولى لام الكلمة، والثانية واو جمع المذكر السالم، والتي تقلب ياء في حالتي النصب، والجر، فيقال: تحركت الواو الأولى، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف الأولى لالتقاء الساكنين.

{وَاللهُ مَعَكُمْ} أي: بالنصر والمعونة، والتأييد، مثل قوله تعالى: {وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وفي كثير من الايات: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ}. {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ} أي: لن ينقصكم أعمالكم؛ أي: ينقص ثوابها، بل يوفيكم ثوابها كاملا، ومنه الموتور الذي قتل له قتيل، فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتره، يتره وترا، وترة.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلّوا على نبيهم؛ إلاّ كان عليهم ترة، فإن شاء؛ عذبهم، وإن شاء؛ غفر لهم». رواه أبو داود، والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من فاتته صلاة العصر؛ فكأنّما وتر أهله، وماله».

الإعراب: {فَلا:} الفاء: هي الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: أي: إذا تبين لكم ما تلي عليكم، فلا تهنوا، فإن من كان الله عليه لا يفلح. (لا): ناهية جازمة. {تَهِنُوا:} فعل مضارع مجزوم ب‍: (لا) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب‍: «إذا»، والجملة الشرطية مستأنفة لا محلّ لها. {وَتَدْعُوا:} الواو: حرف عطف. وقيل: هي واو المعية بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>