قال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرون: أنّه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت هذه الاية، فخافوا من الكبائر أن تحبط أعمالهم، واستدلّ بهذه الاية من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي (وهم: المعتزلة، والخوارج) ولا حجة لهم فيها، وذلك لأن الله تعالى يقول في سورة (الزلزلة): {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [٤٠]: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} بعد أن قال: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ} فالله تعالى أعدل وأكرم من أن يبطل طاعات سنين عديدة بمعصية واحدة.
وروي عن ابن عمر-رضي الله عنهما-أنه قال: كنا نرى أنه لا شيء من حسناتنا إلاّ مقبولا حتى نزل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر، والفواحش؛ حتى نزل:{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} الاية رقم [٤٨ و ١١٦] من سورة (النساء)، فكففنا عن ذلك القول، وكنا نخاف على من أصاب الكبيرة، ونرجو لمن لم يصبها.
واستدلّ بهذه الاية من لا يرى إبطال النوافل (وهم الحنفية، والمالكية) حتى لو دخل في صلاة تطوع، أو صوم تطوع، لا يجوز له إبطال ذلك العمل، والخروج منه، ولا دليل لهم في الاية، ولا حجة؛ لأنّ السنة مبيّنة للكتاب، وقد ثبت في الصحيحين: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أصبح صائما، فلمّا رجع إلى البيت وجد حيسا، فقال لعائشة-رضي الله عنها-: «قرّبيه فلقد أصبحت صائما». فأكل، وهذا معنى الحديث، وليس بلفظه، وفي الصحيحين أيضا: أنّ سلمان الفارسي زار أبا الدرداء-رضي الله عنهما-، فصنع له طعاما، فلما قرّبه إليه، قال: كل فإني صائم، قال:
لست بآكل؛ حتى تأكل! فأكل معه. أقول: والحديث: «المتطوع أمير نفسه مشهور» انتهى. إلا في الحج لا يجوز له إبطاله؛ ولو كان تطوعا. خازن.
وقال مقاتل في معنى الاية: لا تمنوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتبطل أعمالكم. نزلت في بني أسد، وسنذكر القصة في سورة (الحجرات) إن شاء الله تعالى. انتهى. خازن بتصرف مني. هذا؛ وقد ذكر الزمخشري في كشافه أدلة تدعم مذهبه في الاعتزال وهو أنّ الكبيرة تحبط العمل، وقد فندها له محشي الكشاف الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الإسكندري المالكي.
الإعراب:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الاية رقم [٧]. {أَطِيعُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية ابتدائية كالجملة الندائية قبلها، لا محلّ لها مثلها، وجملة:{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها أيضا. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): ناهية جازمة. {تُبْطِلُوا:} مضارع مجزوم ب: (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَعْمالَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها أيضا.