وأنكر المعتزلة الشّفاعة، وخلّدوا أهل الكبائر من المسلمين الّذين دخلوا النار في العذاب، والأخبار متظاهرة بأنّ من كان من العصاة المذنبين الموحّدين من أمم النبيين هم الّذين تنالهم شفاعة الشّافعين من الملائكة، والنبيين، والشهداء، والصالحين، قال ابن المنير المعلّق على الكشّاف: أما من جحد الشفاعة؛ فهو جدير ألا ينالها، وأمّا من آمن بها، وصدّقها، وهم أهل السّنّة، والجماعة؛ فأولئك يرجون رحمة الله، ومعتقدهم: أنها تنال العصاة من المذنبين، وإنّما ادّخرت لهم في الآخرة.
أقول: والأحاديث في الشّفاعة كثيرة مشهورة، وفي كتب الأحاديث مسطورة، والدّليل القرآنيّ يوحي بأنّ أقواما تنالهم الشّفاعة، كما أنّه يصرّح بأن أقواما لا تنالهم بكفرهم، وعظيم جرائمهم، وهو كثير.
قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: فإن قالوا: قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب ردّ هذه الأخبار، مثل قوله تعالى في سورة (غافر): {ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ،} وفي الآية رقم [٤٨]: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ،} قلنا: ليست هذه الآية عامة في كلّ ظالم، والعموم لا صيغة له، فلا تعمّ هذه الآيات كلّ من يعمل سوءا، وكلّ نفس، وإنّما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك، وانظر قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٧٩]: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} تجد ما يسرك ويثلج صدرك، وقد أجمع المفسّرون على أنّ المراد ب (نفس) في الآية رقم [٤٨] النّفس الكافرة، لا كلّ نفس. انتهى بتصرف.
بعد هذا؛ المعنى للآية الكريمة: أنفقوا من المال الّذي رزقناكموه من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فرّطتم، والخلاص من عذابه؛ إذ لا بيع فيه؛ فتحصّلون ما تنفقون، أو تفتدون به من العذاب، ولا خلّة؛ حتّى يعينكم عليه أخلاّؤكم، أو يسامحوكم به، ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرّحمن ورضي له قولا؛ حتّى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حطّ ما في ذممكم، والمراد ب:{وَالْكافِرُونَ:} المانعون للزّكاة، كما في قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [٩٧]: {وَمَنْ كَفَرَ} مكان من لم يحج؛ وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار بقوله تعالى:
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ} رقم [٦ - ٧] سورة (فصلت). انتهى. بيضاوي بتصرف كبير، فلم يبق لما قاله عطاء بن دينار، والحمد لله الذي قال:{وَالْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ،} ولم يقل: والظالمون هم الكافرون، فلم يبق لقوله معنى، ولا فائدة.
الإعراب:{يا أَيُّهَا:}(يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. ({أَيُّهَا}) منادى نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب ({يا}) وها: حرف تنبيه، لا محل له من الإعراب، وأقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه، ولا يقال: ضمير في محل جر بالإضافة؛ لأنه حينئذ يجب نصب