عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الصادق المصدوق:«أنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ، أو سعيد، ثم ينفخ فيه الرّوح». أخرجاه في الصّحيحين بزيادة. فدلّ هذا الحديث على أنّ خلق الولد يجتمع في مدة أربعة أشهر، ويتكامل خلقه بنفخ الروح فيه في هذه الأيام الزائدة.
وهذا الحكم يشمل الزّوجات المدخول بهنّ، وغير المدخول بالإجماع، ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن: أنّ ابن مسعود -رضي الله عنه-سئل عن رجل تزوج امرأة، فمات عنها، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها مهرا، فتردّدوا إليه مرارا في ذلك، فقال: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا؛ فمن الله، وإن كان خطأ فمنّي، ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه: لها الصّداق كاملا. وفي لفظ: لها صداق مثلها، ولا وكس، ولا شطط، وعليها العدّة، ولها الميراث. فقام معقل بن يسار الأشجعي-رضي الله عنه-فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى به في «بروع بنت واشق» ففرح عبد الله-رضي الله عنه- بذلك فرحا شديدا.
ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها، وهي حامل، فإن عدّتها بوضع الحمل، لقوله تعالى:{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سورة (الطلاق). وكان ابن عباس-رضي الله عنهما-يرى: أن عليها أن تتربّص بأبعد الأجلين: من الوضع، أو من أربعة أشهر، وعشر، للجمع بين الآيتين، وهذا مسلك جيد، ومأخذ قويّ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سبيعة الأسلمية-رضي الله عنها-المخرج في الصّحيحين من غير وجه: أنّها توفي عنها زوجها سعد بن خولة، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها؛ تجمّلت للخطّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك-رضي الله عنه-فقال لها: ما لي أراك متجمّلة لعلك ترجين النّكاح؟ والله ما أنت بناكح؛ حتى يمرّ عليكم أربعة أشهر، وعشر! قالت-رضي الله عنها-: فلمّا قال لي ذلك؛ جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوّج؛ إن بدا لي. قال أبو عمر بن عبد البر: وقد روي أنّ ابن عباس رجع إلى حديث سبيعة، لما احتجّ به عليه، ويصحح ذلك عنه: أنّ أصحابه أفتوا بحديث سبيعة، كما هو قول أهل العلم قاطبة. انتهى. مختصر ابن كثير. هذا؛ وسعد بن خولة-رضي الله عنه-من بني عامر، وكان من أهل بدر، توفي في حجّة الوداع، وأبو السّنابل-رضي الله عنه-من بني عبد الدار. هذا؛ وقال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها غير أنّه لا يقربها حتى تطهر.
هذا؛ ويجب على من توفي عنها زوجها الإحداد، وهو ترك الزينة، والطّيب، ودهن الرأس بكلّ دهن، والكحل المطيّب، فإن اضطرت إلى كحل فيه زينة؛ فيرخص لها. وبه قال مالك،