الذي قد انتهى حره، والغساق ضده، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم، ولهذا قال عز وجل:{وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ} أي: وأشياء من هذا القبيل، الشيء وضده يعاقبون بهما، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «لو أنّ دلوا من غسّاق يهراق في الدنيا؛ لأنتن أهل الدنيا». أخرجه الإمام أحمد، ورواه الترمذي وابن جرير أيضا.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الغساق هو الزمهرير يخوفهم الله ببرده. وقال مجاهد، ومقاتل: هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده. وقال غيرهما: إنه يحرق ببرده، كما يحرق الحميم بحره. وقال عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-: هو قيح غليظ، لو وقع منه شيء بالمشرق؛ لأنتن من في المغرب، ولو وقع منه شيء بالمغرب؛ لأنتن من في المشرق. وقال قتادة: هو ما يسيل من فروج الزناة، ومن نتن لحوم الكفرة، وجلودهم من الصديد، والقيح، والنتن. وقال محمد بن كعب القرظي: هو عصارة أهل النار، وهذا القول أشبه باللغة، يقال: غسق الجرح، يغسق غسقا: إذا خرج منه ماء أصفر، قال الشاعر:[الطويل]
إذا ما تذكّرت الحياة وطيبها... إليّ جرى دمع من العين غاسق
{وَآخَرُ} أي: وعذاب آخر سوى الحميم والغساق. {مِنْ شَكْلِهِ:} من مثله، ونحوه، أي: المذوق، أو العذاب في الشدّة. {أَزْواجٌ:} أنواع، وألوان، وأصناف من العذاب كالزمهرير، والسموم، وأكل الزقوم، والصعود، والهوي، والحيات، والعقارب، إلى غير ذلك من الأشياء المتضادة المختلفة، وخذ قوله تعالى في سورة (إبراهيم): {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} رقم [١٧]. هذا؛ ويقرأ: «(آخر)» بالمد على أنه مفرد، وبالقصر على أنه جمع.
الإعراب:{هذا:} خبر لمبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف، التقدير: الأمر هذا، أو: هذا كما ذكر، أو هو مفعول به لفعل محذوف، التقدير: خذ هذا. {وَإِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ} إعراب هذا الكلام مثل إعراب رقم [٤٩] بلا فارق. {يَصْلَوْنَها:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، و (ها): مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من:{جَهَنَّمَ،} والعامل في الحال الاستقرار في قوله تعالى: {لِلطّاغِينَ} أي:
المتعلق المحذوف. هذا؛ وأجيز اعتبار {جَهَنَّمَ} مفعولا به لفعل محذوف، يفسره المذكور بعده، وعليه فالجملة الفعلية مفسرة لهذا المحذوف، ويكون التقدير: يصلون جهنم يصلونها، والكلام كله مستأنف لا محل له. {فَبِئْسَ:} الفاء: حرف استئناف. (بئس): فعل جامد لإنشاء الذم. {الْمِهادُ:} فاعله، والمخصوص بالذم محذوف، التقدير: فبئس المهاد هو جهنم. وانظر الآية رقم [٦٠] الآتية. {هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ} في إعراب هذه الآية أوجه كثيرة، فأولا:
يجوز في هذا أن يكون في محل نصب من وجهين: أن يكون الناصب له محذوفا، تقديره: