روي: أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل. قال الخازن: إنما أضاف النبذ إلى نفسه، وإن كان الحوت هو النابذ؛ لأن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى. هذا؛ والنبذ: الطرح، والرمي، والقذف. {وَهُوَ سَقِيمٌ:} عليل مما ناله من التقام الحوت، ومكثه في بطنه المدة التي ذكرتها لك، حتى عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد، أو كالفرخ الممعّط؛ الذي لا ريش له. هذا؛ وجمع سقيم: سقامى، وسقام، وسقمى، وسميت الأرض التي لا نبات فيها بالعراء تشبيها لها بالإنسان العاري، الذي لا ثياب عليه تستره. هذا؛ وقال تعالى في سورة {ن وَالْقَلَمِ:}{لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} والجواب: أن الله عز وجل أخبر هاهنا: أنه نبذه بالعراء، وهو غير مذموم، ولولا رحمة الله عز وجل؛ لنبذ بالعراء؛ وهو مذموم. قاله النحاس.
هذا؛ وأذكر: أن مكث يونس-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-المدة التي ذكرتها في بطن الحوت؛ وقد جاب به أعماق البحار، وبقي حيا حتى نبذه الحوت إلى الأرض اليابسة، وبطن الحوت مغلق محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء إنما هو معجزة باهرة، وعظة بالغة لقوم يتعظون؛ لأن كل واحد منا يدرك: أن كل ذي روح إذا حبس عنه الهواء لحظات يموت، وما أشبه هذه المعجزة بمعجزة موسى عليه السّلام الذي وضع في تابوت محكم الإغلاق، وبقي حيا حتى التقطه آل فرعون، كما هو معروف لدى كل إنسان.
{وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ:}{عَلَيْهِ} بمعنى: عنده. وقيل: بمعنى: له، وسئل أبو هريرة:
ما اليقطينة؟ قال: شجرة الدّبّاء. وقيل: إنما خص اليقطين بالذكر؛ لأنه لا ينزل عليه ذباب، ولأنه يجمع كبر الورق، وبرد الظل، وجودة تغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئا، ومطبوخا لبه، وقشره أيضا. هذا؛ والدّبّاء نوع من أنواع القرع معروف. وقال الثعلبي: كانت تظله، فرأى خضرتها، فأعجبته، فيبست، فجعل يتحزن عليها، فقيل له: يا يونس أنت الذي لم تخلق، ولم تسق، ولم تنبت تحزن على شجيرة، فأنا الذي خلقت مئة ألف من الناس أو يزيدون، تريد مني أن أستأصلهم في ساعة واحدة، وقد تابوا وتبت عليهم، فأين رحمتي يا يونس؛ وأنا أرحم الراحمين. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يأكل الثريد باللحم، والقرع، وكان يحب القرع، ويقول:«إنها شجرة أخي يونس». وقال أنس-رضي الله عنه-: قدّم للنبي صلّى الله عليه وسلّم مرق فيه دباء، وقديد، فجعل يتبع الدّبّاء حوالي القصعة، قال أنس: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ. أخرجه الأئمة. {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ:} قال سعيد بن جبير، ووهب، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم-رضي الله عنهم-: إن قوم يونس عليه السّلام كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل، وكانوا أهل شرك وكفر، فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس-عليه السّلام- يدعوهم إلى الإيمان بالله، وترك عبادة الأصنام فدعاهم فأبوا عليه، فقيل له: أخبرهم: أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث، فأخبرهم بذلك، فقالوا: إنا لم نجرب عليه كذبا قطّ، فانظروا فإن بات فيكم الليلة، فليس بشيء، وإن لم يبت؛ فاعلموا: أن العذاب مصبحكم، فلما كان جوف