للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} أي: اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه. روي: أن داود-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك، وإلهامي، وقدرتي على شكرك نعمة لك؟! فقال: يا داود الآن عرفتني. هذا؛ وحقيقة الشكر: الاعتراف بالنعمة للمنعم، واستعمالها في طاعته. والكفران استعمالها في المعصية، وقليل من يفعل ذلك؛ لأن الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية بحسب سابق التقدير. قال ثابت البناني: كان داود نبي الله-على نبينا، وعليه الصلاة والسّلام-: قد جزأ ساعات الليل، والنهار على أهله، فلم تكن تأتي ساعة من ليل، أو نهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي. وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن داود كان يصوم يوما، ويفطر يوما. ومن المؤكد: أن الصلاة، والصيام، والعبادات كلها هي في نفسها الشكر؛ إذ سدت مسده، ويبين هذا قوله تعالى في الآية رقم [٢٤] من سورة (ص): {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ} وهو المراد بقوله الآتي: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} وظاهر القرآن، والسنة: أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان، فالشكر بالأفعال عمل الأركان، والشكر بالأقوال عمل اللسان.

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} أي: الموفق على أداء الشكر بقلبه، ولسانه، وجوارحه في أكثر أوقاته، ومع ذلك لا يوفي حقه؛ لأن توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكرا آخر، إلى ما لا نهاية له، ولذلك قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر. وسمع الفاروق-رضي الله عنه-رجلا يقول: «اللهم اجعلني من القليل»، فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} فقال عمر-رضي الله عنه-: كل الناس أعلم منك يا عمر! وانظر مثله في الآية رقم [٢٤] من سورة (ص)، وانظر ما ذكرته بشأن الحمد والشكر في الآية [١٥] من سورة (النمل).

الإعراب: {يَعْمَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله. {لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: يعملون له الذي، أو: شيئا يشاؤه، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من {الْجِنِّ،} والرابط: الضمير فقط، أو هي مفسرة لجملة (يعمل)، أو هي بدل منها اعتبارات أربعة. {مِنْ مَحارِيبَ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المحذوف، و {مِنْ} بيان لما أبهم في {ما،} وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع. {وَتَماثِيلَ:} معطوف عليه، وهو مجرور مثله... إلخ. {وَجِفانٍ:} معطوف على ما قبله. {كَالْجَوابِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة: (جفان)، وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء المحذوفة، أو الثابتة على القراءة

<<  <  ج: ص:  >  >>