-رضي الله عنه-قال: قلنا: يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال:«كان الرّجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشقّ باثنتين وما يصدّه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم، أو عصب، وما يصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمّنّ هذا الأمر، حتى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذّئب على غنمه، ولكنّكم تستعجلون». رواه البخاري [٣٦١٢].
{حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ} أي: بلغ بهم الضجر، ولم يبق لهم صبر؛ حتى قالوا ذلك. ومعناه: طلب الصبر، وتمنيه، واستطالة زمان الشدة، بحيث تقطّعت حبال الصّبر عندهم، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدّة، وتماديه في العظم؛ لأنّ الرسل لا يقادر قدر ثباتهم، واصطبارهم، وضبطهم لأنفسهم، فإذا لم يبق لهم صبر حتّى ضجوا؛ كان ذلك الغاية في الشدّة؛ التي لا مطمع وراءها.
{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ:} هذا جواب من الله تعالى، ووعد لهم بالنصر، وفي ضمنه كلام آخر، التقدير: فاصبروا، كما صبروا؛ تظفروا بالنّصر، كما ظفروا. هذا؛ وقرئ:{حَتّى يَقُولَ} بالنصب على إضمار «أن» ومعنى الاستقبال؛ لأنّ «أن» تصرف الفعل المضارع له. وقرئ بالرّفع على أنه بمعنى الحال، كقولك: شربت الإبل حتى يجيء البعير بطنه، إلا أنها حال ماضية محكية. وانظر مبحث «حتّى» في كتابنا: «فتح القريب المجيب» تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
تنبيه: قال قتادة، والسّدي، وأكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصابهم من الجهد والشدّة، والحرّ، والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد، وكان كما قال الله تعالى في سورة (الأحزاب): {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ،} وقيل: نزلت في حرب (أحد) نظير هذه الآية قوله تعالى في سورة (آل عمران): {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ} رقم [١٤٢].
وقالت جماعة أخرى: نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم، وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسرّ قوم من الأغنياء النفاق، فأنزل الله الآية الكريمة تطييبا لقلوبهم، وتفريجا لهمومهم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{أَمْ:} حرف عطف بمعنى «بل». {حَسِبْتُمْ:} فعل، وفاعل. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {تَدْخُلُوا:} فعل مضارع منصوب ب {أَنْ} وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و {أَنْ} والفعل المضارع: {تَدْخُلُوا} في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي {حَسِبْتُمْ} والجملة الفعلية هذه معطوفة على ما قبلها، أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين. {الْجَنَّةَ:} مفعول به. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥٨]. {وَلَمّا:} الواو: