{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً} أي: ومن لم يقدّر له الهداية، ولم يوفقه لأسبابها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي من لم يجعل الله له دينا فما له من دين، ومن لم يجعل الله له نورا يمشي به يوم القيامة لم يهتد إلى الجنة، كقوله تعالى:{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} وجملة القول: من لم يهده الله لم يهتد، وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله خلق الخلق في ظلمة فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ». أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-. فإذا الهداية هداية الله، والتوفيق توفيق الله.
وقد يعترض بعض الناس على ذلك، فيقول: إذا لا مؤاخذة على العبد، فكيف يعذبه الله، ولم يهده، ولم يوفقه للإيمان؟ والجواب: أن عدم توفيق الله للعبد معناه تقدير ضلاله، وهذا التقدير مبني على علم الله الأزلي بأن هذا العبد لو ترك وشأنه، لم يختر سوى الكفر، والضلال، ولذا قدره الله عليه، هذا بالإضافة إلى اختياره الضلال، بعد أن بين الله لكل واحد الخير، والشر، والحسن، والقبيح، كما قال تعالى:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بينا له طريق الخير، وطريق الشر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
تنبيه: قال مقاتل بن سليمان رحمه الله تعالى: نزلت الآيتان في عتبة بن ربيعة، كان يلتمس الدين في الجاهلية، ولبس المسوح، فلما جاء الإسلام؛ كفر. وقال الماوردي: في شيبة أخيه، كان يترهب في الجاهلية، ويلبس المسوح، ويطلب الدين، فكفر بالإسلام، وكلاهما مات كافرا، فلا يبعد أن يكونا هما المراد بالآية وغيرهما، وقد قيل: نزلتا في عبد الله بن جحش وكان قد أسلم، وهاجر إلى الحبشة، ثم تنصر بعد إسلامه. انتهى. قرطبي بتصرف. أقول:
والآيتان تشملان كل كافر بالله ورسوله إلى يوم القيامة بلا ريب ولا شك. تأمل، وتدبر.
الإعراب:{أَوْ:} حرف عطف. {كَظُلُماتٍ:} معطوفان على {كَسَرابٍ} في الآية السابقة.
{فِي بَحْرٍ:} متعلقان بمحذوف صفة (ظلمات). {لُجِّيٍّ:} صفة {بَحْرٍ}. {يَغْشاهُ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والهاء مفعول به. {مَوْجٌ:} فاعله، والجملة الفعلية في محل جر صفة ثانية ل:{بَحْرٍ،} أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم. {مِنْ فَوْقِهِ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و (الهاء) في محل جر بالإضافة. {مَوْجٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل رفع صفة {مَوْجٌ}. هذا؛ وإن اعتبرت {مِنْ فَوْقِهِ} متعلقين بمحذوف