إلى عمله؛ لم يجده أغنى عنه شيئا، ولا نفعه. وهذا يسمى بالتشبيه التمثيلي. وتفيد الآية الكريمة، والتي تليها: أن أفعال الكافر إذا كانت برّا، كصلة القرابة ونحوها، لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، ومثلها الآية رقم [٢٣] من سورة (الفرقان) بيد أنه يطعم بها في الدنيا، دليله ما رواه مسلم عن عائشة-رضي الله عنها-: أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية يصل الرّحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: «لا ينفعه، إنّه لم يقل يوما: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين». وروي عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدّنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأمّا الكافر، فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدّنيا، حتّى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها». وهذا نصّ. ثم قيل: هل بحكم هذا الوعد الصادق لا بد أن يطعم الكافر، ويعطى بحسناته في الدنيا، أو ذلك مقيد بمشيئة الله المذكورة في قوله تعالى: {عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} الآية رقم [١٨] من سورة (الإسراء) وهذا هو الصحيح من القولين؟ بينما نجد آية (هود) رقم [١٥] قد أطلقت، ولم تقيد بالمشيئة، وكذلك آية الشورى رقم [٢٠] أطلقت.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: والصحيح: أنه من باب الإطلاق، والتقييد، ومثله قوله تعالى: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع، دائما على كل حال، وليس كذلك لقوله تعالى: {فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ}.
والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
وأخيرا أقول: إن معنى إطعام الكافر في الدنيا: إدرار الرزق عليه، ومدّه بالصحة، والعافية، وسروره في الدنيا، وراحة باله، وهناءة عيشه، وغير ذلك من نعيم الدنيا، وملذاتها.
الإعراب: {وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، وجملة: {كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف، أي: بالله: صلة الموصول لا محل لها.
{أَعْمالُهُمْ:} مبتدأ ثان، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر، -أي جمعه-لفاعله.
{كَسَرابٍ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، وإن اعتبرت الكاف اسما بمعنى مثل؛ فهي الخبر، وتكون مضافة و (سراب) مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأول.
هذا؛ وأجيز اعتبار {أَعْمالُهُمْ} بدل اشتمال من الموصول. و {كَسَرابٍ} متعلقين بمحذوف خبره.
ولا أرتضيه، والمعنى لا يقويه. {بِقِيعَةٍ:} متعلقان بمحذوف صفة (سراب). {يَحْسَبُهُ:}
مضارع، والهاء مفعول به أول. {الظَّمْآنُ:} فاعله. {ماءً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل جر صفة ثانية ل: (سراب) أو في محل نصب حال منه بعد وصفه بما تقدم، والرابط:
الضمير فقط. {حَتّى:} حرف ابتداء. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {جاءَهُ:} ماض، ومفعوله، والفاعل يعود إلى {الظَّمْآنُ،} والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على