للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: قال مكي بن أبي طالب القيسي-رحمه الله تعالى: ونداء الرب قد كثر حذف «يا» النداء منه في القرآن الكريم، وعلة ذلك: أن في حذفها من نداء الرب فيه معنى التعظيم له، والتنزيه، وذلك أن النداء فيه ضرب من معنى الأمر؛ لأنك إذا قلت: يا زيد، فمعناه: تعال يا زيد، أدعوك يا زيد، فحذفت (يا) من نداء الرب ليزول معنى الأمر، وينقص؛ لأن «يا» تؤكده، وتظهر معناه، فكان في حذف (يا) التعظيم، والإجلال، والتنزيه للرب تعالى، فكثر حذفها في القرآن والكلام في نداء الرب لذلك المعنى، انتهى.

هذا؛ والرب يطلق، ويراد به السيد، والمالك، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام: {اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ..}. إلخ وقوله أيضا: {أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً..}. إلخ، وقال الأعشى: [الكامل]

ربّي كريم، لا يكدّر نعمة... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا

كما يقال: رب الدار، ورب الأسرة، أي مالكها، ومتولي شؤونها. كما يراد به المربي، والمصلح، يقال: ربّ فلان الضيعة، يربها: إذا أصلحها، والله سبحانه وتعالى مالك العالمين، ومربيهم، وموصلهم إلى كمالهم شيئا فشيئا، يجعل النطفة علقة، ثم يجعل العلقة مضغة، ثم يجعل المضغة عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يصوره، ويجعل فيه الروح، ثم يخرجه، وهو خلق صغير ضعيف، فلا يزال ينميه، وينشيه؛ حتى يجعله رجلا، أو امرأة كاملين. ولا يطلق الرب على غير الله تعالى إلا مقيدا بالإضافة، مثل قولك: رب الدار، ورب الناقة، ونحو ذلك.

والرب: المعبود بحق، وهو المراد منه تعالى عند الإطلاق، ولا يجمع إذا كان بهذا المعنى، ويجمع إذا كان معبودا بالباطل، قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السّلام لصاحبي السجن:

{أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ} كما يجمع إذا كان بأحد المعاني السابقة، قال الشاعر: [الطويل]

هنيئا لأرباب البيوت، بيوتهم... وللأكلين التّمر مخمس مخمسا

وهو اسم فاعل بجميع معانيه، أصله: رابب، ثم خفف بحذف الألف، وإدغام أحد المثلين في الآخر. وانظر شرح «الظلم» في الآية رقم [٦٠] من سورة (الحج).

الإعراب: {قُلْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {رَبِّ:} منادى حذف منه أداة النداء منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، وباقي الإعراب مثل: {يا قَوْمِ} في الآية رقم [٢٣]. {إِمّا:} هي «إن» الشرطية مدغمة في «ما» الزائدة للتوكيد.

{تُرِيَنِّي:} مضارع مبني على الفتح لا تصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم فعل الشرط، وحذفت نون الوقاية للتخفيف، والفاعل ضمير مستتر تقديره: «أنت». وياء المتكلم مفعول به أول. {إِمّا:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في

<<  <  ج: ص:  >  >>