وغيره، فلما جاءت مدة إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام-أمره الله ببنيانه، فجاء إلى موضعه، وجعل يطلب أثرا، فبعث الله ريحا، فكشفت عن أساس آدم على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام، فرتب قواعده كما رأيت في الآية رقم [١٢٧] من سورة (البقرة).
{أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً:} الخطاب لإبراهيم عليه السّلام، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، فحاشاه من الشرك. هذا؛ ويقرأ: «(أن لا يشرك بي شيئا)»: وانظر الإعراب فإنه يوضح المعنى.
{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} أي: من الشرك، والأوثان، والأقذار. {لِلطّائِفِينَ} أي: الذين يطوفون بالبيت. {وَالْقائِمِينَ} أي: المقيمين فيه. {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي: المصلين، جمع: راكع، وساجد. هذا؛ وينبغي أن تعلم: أن إبراهيم عليه السّلام قد أمر ببناء البيت بعد أن أسكن ولده إسماعيل وأمه هاجر في مكة بسنوات، وهي يومئذ أرض، لا ماء فيها، ولا أنيس، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٧] من السورة المسماة باسمه، فبعد أن شب إسماعيل، وترعوع ذهب أبوه إلى مكة، وأخبره: أن الله أمره ببناء الكعبة، انظر ما ذكرته في الآية رقم [١٢٧] وما قبلها وما بعدها من سورة (البقرة).
هذا؛ وقد سها القرطبي-رحمه الله تعالى-حيث قال: وقيل: عنى به التطهير من الأوثان، كما قال تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت وحوله قبل أن يبنيه إبراهيم عليه السّلام. انتهى. فهل كان يوجد في مكة ناس قبل سكنى إسماعيل، وأمه؟! وهل كان يوجد ماء فيها؟! وهل سكنت قبيلة جرهم في مكة قبل سكنى إسماعيل وأمه؟!
بعد هذا انظر عمر إبراهيم، وانظر أولاده، وأحفاده في الآية رقم [٧١] من سورة (هود) عليه السّلام، وانظر شرح {شَيْءٍ} في الآية [٣٠] من سورة (الأنبياء). أما القائمين فهو جمع: قائم، فهو اسم فاعل من: قام، يقوم، وأصله قاوم، فقلبت الواو ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ولم يعتد بالألف الزائدة، لكونها حاجزا غير حصين، فالتقى ساكنان: الألف الزائدة، والألف المنقلبة، فأبدلت الثانية منهما همزة، ومثله قل: في: بائع، فإن أصله: بايع.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف استئناف. (إذ): ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو هو مفعول به لهذا المقدر.
{بَوَّأْنا:} فعل، وفاعل. {لِإِبْراهِيمَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وقال أكثر المعربين: اللام:
حرف جر صلة، و (إبراهيم) مفعول به مجرور لفظا منصوب محلا، وهذا يعود إلى معنى (بوأنا) فمن قال: معناه: أرينا إبراهيم؛ فهو مفعول به، ومن قال: معناه: بينا؛ فاللام غير زائدة.
{مَكانَ:} مفعول به ثان على اعتبار اللام زائدة، ومفعول به على اعتبار اللام غير زائدة.
وقيل: هو ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والمعتمد الأول بدليل قوله تعالى:{تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ}