فأحضريها! فأحضرتها، فناولته ثديها، فأخذه، فسرت آسية سرورا عظيما بذلك، فاستأجرتها لرضاعه، كما ستعرفه في سورة (القصص) إن شاء الله تعالى، وهو مفاد قوله تعالى هنا:
{فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} أي: بلقائك، ورؤيتك. وانظر الآية رقم [٢٦] من سورة (مريم) عليها السّلام.
{وَلا تَحْزَنَ} أي: لفراقك. {وَقَتَلْتَ نَفْساً:} المراد به القبطي الذي قتله خطأ، كما ستعرف قصته في سورة (القصص) إن شاء الله تعالى، وكان طباخا لفرعون. وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٣٥] من سورة (الأنبياء)، وكان عمره إذ ذاك ثلاثين سنة. وقيل: اثنتي عشرة سنة، والمعتمد الأول. {فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ} أي: من الخوف، والكرب الذي أصابك بسبب قتل القبطي؛ لأنه خاف من القتل، أو الحبس. {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً} أي: اختبرناك اختبارا، وأخلصناك إخلاصا للرسالة.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الفتون: وقوعه في محنة بعد محنة، وخلصه الله منها:
أولها: أن أمه حملت فيه في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الصبيان، ثم إلقائه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى همّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الجوهرة، ثم قتله القبطي، ثم خروجه إلى مدين خائفا يترقب، ثم رعايته الغنم. انتهى. ويضاف إلى ذلك ما لقيه في ذهابه إلى مدين من مشقة السفر، ومفارقة الأهل، والوطن، والمشي راجلا على حذر، وفقد الزاد، والماء، ونحو ذلك.
{فَلَبِثْتَ سِنِينَ:} هي عشر على المعتمد. وقيل: ثمانية وعشرون سنة، والمعتمد الأول.
{فِي أَهْلِ مَدْيَنَ:} هي بلدة شعيب عليه الصلاة والسّلام على ثمان مراحل من مصر. و «مدين» هو اسم ابن إبراهيم الخليل، على نبينا، وحبيبنا، وعليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام، ثم صار علما للقبيلة من أولاده. وقيل: هو في الأصل اسم مدينة بناها مدين المذكور. {ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ:} على القدر الذي قدرت لك أن تجيء فيه، وذلك على رأس أربعين سنة، وهو القدر؛ أي: السن الذي يوحى إلى الرسل فيه. قال جرير في مدح عمر بن عبد العزيز، حين تولى الخلافة الإسلامية، وعمره في حدود الأربعين-رضي الله عنه-: [البسيط]
جاء الخلافة أو كانت له قدرا... كما أتى ربّه موسى على قدر
هذا؛ وقال الجمل نقلا عن شيخه: وحاصل ما ذكره الله من المنن على موسى من غير سؤال ثمانية: الأولى: قوله: {إِذْ أَوْحَيْنا..}. إلخ إلى قوله: {وَعَدُوٌّ لَهُ}. الثانية: قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً..}. إلخ الثالثة: قوله: {وَلِتُصْنَعَ..}. إلخ إلى قوله: {مَنْ يَكْفُلُهُ}. الرابعة: قوله:
{فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ} إلخ إلى قوله: {وَلا تَحْزَنَ}. الخامسة: قوله: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ}. السادسة: قوله: {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً}. السابعة: قوله: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ..}. إلخ إلى قوله:
{يا مُوسى}. الثامنة: قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.