تتهددها الرمال، أقاموا سلسلة من أسوار خارج بعضها، وفي امتداده هذا غالب ثلاث صعوبات: الجبال الشاهقة، والصحارى الرملية المجدبة، وطبقات الأرض الهشة (اللويس).
والعجيب: أني لما زرت مقبرة هذا الإمبراطور في مدافن أسرة منج رأيت الناس يقذفونها بالحجارة، فخلتهم يذكرونه بانتصاره على الصخور، التي أقام بها سوره العظيم، على أني علمت أنهم يأتون ذلك حطا من شأنه، واحتقارا له؛ لأنه امتهن تقاليد أجداده، وأهان العلم، وأهله حتى إنهم لم يلقبوه بباني السد، بل بمبيد الكتب العلمية، ويذهل المرء كيف استطاع الإمبراطور أن يزود السور بالجنود لحراسته، على طول امتداده، ومن العجيب: أنه لم يغن عنهم في الدفاع فتيلا؛ إذ اخترقه جنكيز خان سنة ١٩١٢، وكذلك لم يرد غارات المانشو بعد ذلك، ولا يعزو القوم ذلك إلى ضعف في السور نفسه، بل إلى خمود الروح العسكرية بين أفراد شعوب الصين الزراعية، على أني لما ألقيت على السور نظرة الوداع مرّ بخاطري مظهر الهرم الأكبر، فبدا السور بجانبه ضئيلا، لم يشعرني بالرهبة، والذهول التي يوحيها هرمنا. انتهى بحروفه.
ممّا تقدم يلاحظ أنّ الرحالة أهمل ذكر السد في القرآن الكريم، وأنّ جعله دكّاء إنما هو من علامات الساعة الكبرى، بل هو من مقدماتها، وأنه استبدل اسم ذي القرنين الرجل الصالح، المختلف في نبوته المؤيد من ربه، الموفق في أعماله باسم الإمبراطور (شي هوانج تي) واستبدل زهده، وورعه، وتقواه بكلفه في المباني الضخمة، من بينها قصره الذي وسعت ردهته عشرة آلاف نفس، واستبدل التماس الناس المجاورين لقوم يأجوج ومأجوج منه إقامة السد بقهر الناس وظلمهم، واستعمالهم بالسد ظلما، وعدوانا، حتى أطلق على السد اسم (أطول مقابر الدنيا) لكثرة من ماتوا في بنائه.
واستبدل حبه للعلم، وتعظيمه للعلماء بحرق كتب العلم، وفلسفة كنفوشيوس، ومعاقبته للعلماء، وإهانة العلم وأهله، حتى إن الناس لم يلقبوه بباني السد، بل بمبيد الكتب العلمية، واستبدل إتمامه للسد، وقوله:{هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} بأن بناءه لم يتم إلا في عهد ليوبانج من أسرة هان، وفي عهد أسرة منج دعم السور، وزيد في طوابيه (سبحانك ربي هذا بهتان عظيم) ولولا كلمته في أول مقاله (سد يأجوج ومأجوج) ما أخذت عليه هذه الملاحظات واعتبرت مقاله عن سد غير سد ذي القرنين، واعتبرت سد ذي القرنين لا يزال في العالم المجهول، وفي علم الله الواحد الأحد، استجابة لقوله تعالى:{حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} رقم [٩٦] من سورة (الأنبياء)، وقوله تعالى حكاية عن قول ذي القرنين في هذه السورة:{قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}.
ولعل الرحالة لم يؤمن بما في القرآن، ولم يعتقد بيوم القيامة، وما يسبقه من علامات، بل ومن مقدمات، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبي ونعم الوكيل، عليه