{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. {وَإِذا قَضى أَمْراً:} أي: إذا أراد إحكامه، وإتقانه كما سبق في علمه؛ فإنما يقول له: كن فيكون، احدث، فيحدث، وليس المراد حقيقة أمر، بل هو تمثيل ما تعلّقت به إرادته تعالى بلا مهلة بطاعة المأمور، والمطيع بلا توقّف. انتهى بيضاوي. قال الشاعر: [الطويل]
إذا ما أراد الله أمرا فإنّما... يقول-له التنزيه-كن فيكون
تنبيه: قال الشيخ أبو منصور-رحمه الله تعالى-القضاء يحتمل الحكم، كقوله تعالى:
{لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} أي: ليحكم ما قد علم: أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده، وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة، انتهى. هذا؛ والماضي: «قضى» والمصدر «قضاء» بالمد؛ لأن لام الفعل ياء؛ إذ أصل ماضيه: «قضي» بفتح الياء، فقلبت ألفا لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ومصدره: «قضيا» بالتّحريك كطلب طلبا، فتحركت الياء فيه أيضا، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان، فأبدلت الثانية همزة، فصار: قضاء ممدودا، وجمع القضاء: أقضية، كعطاء، وأعطية، وهو في الأصل: إحكام الشيء، وإمضاؤه، والفراغ منه، كما في قول الشاعر، وهو الشّاهد رقم [١٧٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الخفيف]
وجهك البدر لا بل الشّمس لو لم... يقض للشّمس كسفة أو أفول
وقال الشمّاخ في عمر-رضي الله عنه-: [الطويل]
قضيت أمورا ثمّ غادرت بعدها... بوائق في أكمامها لم تفتق
ويكون بمعنى الأمر، كما في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}.
وبمعنى العلم، تقول: قضيت بكذا، أي: أعلمتك به، وبمعنى الإتمام، قال تعالى: {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ}. وبمعنى الفعل، قال تعالى، حكاية عن قول السّحرة لفرعون: {فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ} وبمعنى الإرادة، وهو كثير كقوله تعالى: {فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وبمعنى الموت، كقوله تعالى حكاية عن قول أهل النّار: {وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ}. وبمعنى الكتابة، قال تعالى: {وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا} أي: مكتوبا في اللّوح المحفوظ. وبمعنى الفصل، قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}. وبمعنى الخلق، كقوله تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}. وبمعنى بلوغ المراد، والأرب، قال تعالى: {فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها}.
وبمعنى وفاء الدّين تقول: قضى فلان ما عليه إذا ما أوفى ذمته، وأبرأها مما عليه من ديون.
انتهى قسطلاني في شرح البخاري، بتصرف. أضيف: أنه يكون بمعنى: أوحينا، كقوله تعالى:
{وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ}.
قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني؛ فلا يجوز إطلاق القول بأنّ المعاصي بقضاء الله تعالى؛ لأنّه إن أريد به الأمر؛ فلا خلاف: أنه لا يجوز ذلك؛