للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ}: قيل: المعنى يدخل جنات عدن من اتصف بالصفات المذكورة، ويدخلها معهم من كان صالحا من هؤلاء، أي: لا يدخلونها بالأنساب والقرابات، وقيل: المعنى؛ يدخلها أولو الألباب مع من صلح من آبائهم... إلخ، وإن لم يعمل مثل أعمالهم يلحقه الله بهم كرامة لهم، وأرى هذا ضعيفا جدّا؛ لأن أولي الألباب هم الجديرون بالكرامة الإلهية، وقال الزجاج: إن الإنسان لا ينتفع بغير أعماله الصالحة، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يعني ومن صدق من آبائهم بما صدقوا به، فهو يعني بهذا الصلاح الإيمان بالله ورسوله.

قال الواحدي: والصحيح ما قاله ابن عباس: لأن الله تعالى جعل ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع العامل الآتي بالأعمال الصالحة، ولو كان دخولهم الجنة بأعمالهم الصالحة، لم يكن ذلك كرامة للمطيع، ولا فائدة في الوعد به؛ إذ كل من كان صالحا يدخل الجنة في عمله. انتهى. خازن بتصرف.

أقول: ينبغي أن لا يعزب عن بال كل عاقل أن الله شرط الصلاح لدخول الآباء والأزواج والذرية مع أولي الألباب المتصفين بالصفات التي رأيتها، كيف لا؟ وإبراهيم عليه الصلاة والسّلام لم ينفع أباه مع عدم صلاحه، ونوح عليه السّلام لم ينفع امرأته ولا ابنه مع عدم صلاحهما، وكذاك لوط عليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام.

والمعنى العام: أن النعمة تتم على المطيعين في الجنة بأن جعلهم الله مجتمعين مع قراباتهم فيها، وإن دخلها كل إنسان بعمل نفسه، بل برحمة الله تعالى، هذا؛ و (آباء) يدخل تحته الأمهات بدون ريب، فهو من باب التغليب، أو بإلحاقهن بالآباء إلحاقا، ولعلهن لا يرضين بالإلحاق، بل يرضين بالتغليب. {وَأَزْواجِهِمْ}: جمع زوج، وهو يطلق على الرجل والمرأة على الانفراد، وانظر شرح {زَوْجَيْنِ} في الآية رقم [٣] {وَذُرِّيّاتِهِمْ}: جمع ذرية، وهي النسل من بني آدم، وهي تقع على الجمع وعلى الواحد أيضا كما في قوله تعالى: {كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} قيل: هي مشتقة من الذّرا، بفتح الذال، وهو كل ما استذريت به، يقال: أنا في ظل فلان، وفي ذراه، أي: في كنفه، وستره، وتحت حمايته، وهو بضم الذال: أعلى الشيء، وقيل: هي مشتقة من الذّرء، وهو الخلق، قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وقال تعالى:

{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أبدلت همزة الذرء ياء، ثم شددت الياء وتبعتها الراء في التشديد.

{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ} أي: من أبواب الجنة الثمانية، أو من أبواب المنازل التي يسكنونها في الجنة، يدخلون عليهم بالتحف والهدايا تكرمة لهم، هذا؛ والملائكة أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، لا يأكلون ولا يشربون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، لا ينامون، ولا يموتون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، لا يوصفون بذكورة، ولا بأنوثة، فمن وصفهم بذكورة فسق، ومن وصفهم بأنوثة

<<  <  ج: ص:  >  >>