وشى من باب: وعد، والمصدر:«وشيا» إذا خلط بلون آخر، فحذفت الواو من المصدر، وعوّض عنها التاء في الآخر، مثل: عدة، وزنة، والشّية مأخوذة من: وشي الثوب: إذا نسج على لونين مختلفين، وثور موشّى: في وجهه، وقوائمه سواد. ويقال: فرس أبلق، وكبش أخرج، وتيس أبرق، وغراب أبقع، وثور أشيه. كلّ ذلك بمعنى البلقة. هكذا نصّ أهل اللغة.
{الْآنَ:} هذه الكلمة في هذه الآية وأمثالها ملازمة للظرفية الزمانية غالبا، مبنية على الفتح دائما لتضمّنها معنى الإشارة، وألفها منقلبة عن واو؛ لقولهم في معناها: الأوان، وقيل: عن ياء لأنه من: آن، يئين: إذا قرب، وقيل: أصله: أوان؛ قلبت الواو ألفا، ثمّ حذفت لالتقاء الساكنين. وردّ بأنّ الواو قبل الألف لا تقلب، كالجواد، والسواد. وقيل: حذفت الألف، وغيّرت الواو إلى الألف، كما قالوا: راح، ورواح، استعملوه مرة على فعل، ومرة على فعال كزمن وزمان. هذا؛ وقال ابن هشام رحمه الله تعالى في كتابه شذور الذّهب، والآن: اسم لزمن حضر جميعه، أو بعضه: فالأول: نحو قوله تعالى في سورة (البقرة): {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}.
والثّاني: نحو قوله تعالى في سورة (الجن) رقم [٩]: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً}. وقد تعرب كقول أبي صخر الهدبي:[الطويل]
لسلمى بذات الخال دار عرفتها... وأخرى بذات الجزع آياتها سطر
كأنّهما ملآن لم يتغيّرا... وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر
أصله: كأنهما من الآن فحذف نون (من) لالتقائها ساكنة مع لام الآن، ولم يحركها لالتقاء الساكنين كما هو الغالب، وأعرب «الْآنَ» فخفضه بالكسرة. وقد اختلف في علّة بنائه على الفتح اختلافا كثيرا.
قال الزجّاج:«الْآنَ» مبني على الفتح لمخالفته سائر ما فيه الألف واللام؛ لأن الألف واللام دخلتا لغير عهد. تقول: أنت إلى الآن هنا، فالمعنى إلى هذا الوقت، فبنيت، كما بني «هذا» وفتحت النون لالتقاء الساكنين، وهو عبارة عمّا بين الماضي، والمستقبل. وفحوى هذا:
أن الألف واللام لم تعرّفه، ولا هو علم، ولا مضمر، ولا شيء من أقسام المعارف، فيلزم أن يكون تعريفه باللام المقدرة، واللام زائدة زيادة لازمة، كما لزمت في «الذي» ونحوه. قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته:[الرجز]
وقد تزاد لازما كاللاّت... والآن والّذين ثمّ اللات
{بِالْحَقِّ} أي: الواضح، فتقدير هذه الصفة واجب، وإلا كان كفرا. {فَذَبَحُوها} بعد أن طلبوها بالصفات المذكورة: فوجدوها عند الولد البار بأمّه، فاشتروها بملء جلدها ذهبا. {وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} أي: ما قاربوا الذّبح لغلاء ثمنها. وقيل: خوفا من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل منهم. قاله وهب بن منبّه، وكلّه يدلّ على تثبيطهم في ذبحها وقلّة مبادرتهم إلى أمر الله.