للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: في الآية الكريمة التفات من التكلم في قوله: {لِمِيقاتِنا} إلى الغيبة في قوله: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} وانظر الالتفات في الآية رقم [٦/ ٦] وانظر (نا) في الآية رقم [٧].

تنبيه: قال أهل التفسير، والأخبار: لما جاء موسى لميقات ربه؛ تطهر، وطهر ثيابه، وصام، ثم أتى طور سيناء، فأنزل الله تعالى ظلة غشيت الجبل على أربع فراسخ من كل ناحية وطرد عنه الشيطان، وهوام الأرض، ونحى عنه الملكين، وكشط له السماء، فرأى الملائكة قياما في الهواء، ورأى العرش بارزا، وأدناه ربه حتى سمع صريف الأقلام على الألواح، وكلمه، وكان جبريل معه، فلم يسمع ذلك الكلام، فاستحلى موسى كلام ربه، فاشتاق إلى رؤيته، فقال:

{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}. وإنما سألها مع علمه بأنها لا تجوز في الدنيا؛ لما هاج به من الشوق، وفاض عليه من أنواع الجلال، واستغرق في بحر المحبة، فعند ذلك سأل الرؤية. انتهى. جمل.

قال البيضاوي: وهو-أي سؤال موسى ربه الرؤية-دليل على أن رؤيته جائزة في الجملة؛ لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، وخصوصا ما يقتضي الجهل بالله، ولذلك رده بقوله: {لَنْ تَرانِي} دون لن أرى، أو لن تنظر إلي، تنبيها على أنه قاصر عن رؤيته لتوقفها على استعداد في الرائي، ولم يوجد فيه بعد، وجعل السؤال لتبكيت قومه الذين قالوا {أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} خطأ؛ إذ لو كانت الرؤية ممتنعة؛ لوجب أن يجهلهم، ويزيح شبههم، كما فعل بهم حين {قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً} فقال لهم: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وكما قال لأخيه: {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} والاستدلال بالجواب على استحالتها أشد خطأ؛ إذ لا يدل الإخبار عن عدم رؤيته، إياه على ألا يراه أحد أبدا، وألا يراه غيره أصلا، فضلا عن أن يدل على استحالتها، ودعوى الضرورة فيه مكابرة، أو جهالة بحقيقة الرؤية. انتهى. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦/ ١٠٣]. ومعنى {أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بأنك لا ترى في الدنيا. وقيل: معناه: وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل. والأول أولى.

الإعراب: {وَلَمّا:} (لما): انظر الآية رقم [١٣٤] وجملة: {جاءَ مُوسى} انظر مثيلتها في الآية المذكورة، وما قيل فيها. {لِمِيقاتِنا:} متعلقان بما قبلهما، و (نا): في محل جر بالإضافة.

{وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ:} فعل ومفعول به وفاعل، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها على الوجهين المعتبرين فيها. {قالَ:} ماض، وفاعله يعود إلى {مُوسى}.

{رَبِّ:} منادى حذف منه أداة النداء منصوب... إلخ. وانظر إعراب: {يا قَوْمِ} في الآية رقم [٦٠]. {أَرِنِي:} فعل دعاء، مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والنون للوقاية، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، وياء المتكلم مفعول به أول، والمفعول الثاني محذوف، التقدير: أرني نفسك. {أَنْظُرْ:} مضارع مجزوم بجواب الطلب، وهو في الأصل مجزوم بشرط محذوف، وفاعله مستتر فيه تقديره «أنا». {إِلَيْكَ:} متعلقان بما قبلهما، والجمل: {رَبِّ أَرِنِي}

<<  <  ج: ص:  >  >>