فإن تزعميني كنت أجهل فيكمو... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وإن لم يكن كذلك يصدق عليه أنه من أكبر الجهال، والحمار أفضل منه، كما قال الشاعر الحكيم:[الكامل]
فضل الحمار على الجهول بخلّة... معروفة عند الّذي يدريها
إنّ الحمار إذا توهّم لم يسر... وتعاود الجهال ما يؤذيها
ومعنى الآية الكريمة: وإن كان شق عليك يا محمد وعظم إعراض قومك عن الإيمان بك وعما جئت به، فإن قدرت أن تذهب في طريق مخفي تحت الأرض، أو تصعد إلى السماء فتأتيهم بآية تدلهم على صدقك. والمقصود من هذا أن يقطع الرسول صلّى الله عليه وسلّم طمعه من إيمانهم، ولا يتأذى بسبب إعراضهم عنه، وعن الإيمان به. ويبين الله سبحانه أن الهداية هدايته، فلو شاء لهداهم إلى الإيمان، فالأمر ليس إليك يا محمد، فلا تكونن من الذين يجهلون الحكمة الإلهية.
وحاشاه صلّى الله عليه وسلّم أن يجهلها!
تنبيه: ذكر ابن الجوزي في سبب نزول هذه الآية: أن الحارث بن عامر أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نفر من قريش، فقال: ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات، فإن فعلت آمنا بك، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس، رضي الله عنهما، انتهى خازن.
الإعراب:(إن): حرف شرط جازم، {كانَ:} ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمه ضمير الشأن محذوف، وقيل:{إِعْراضُهُمْ} اسمها تأخر عن الخبر. {كَبُرَ:}
ماض، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى:{إِعْراضُهُمْ،} أو هو فاعله، كما رأيت، وأرى: أن الفعلين قد تنازعاه، فإذا أعملت فيه أحدهما وجب الإضمار في الثاني، والثاني أولى عند البصريين لقربه، والأول أولى عند الكوفيين لسبقه. {عَلَيْكَ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:{كَبُرَ عَلَيْكَ..}. إلخ في محل نصب خبر {كانَ،} وجملة: {كانَ..}. إلخ لا محل لها لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَإِنِ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط (إن استطعت) إعرابه مثل إعراب سابقه، والمصدر المؤول من:{أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً} في محل نصب مفعول به، {فِي الْأَرْضِ:} متعلقان بمحذوف صفة: {نَفَقاً،} وجوز تعليقهما بالفعل: {تَبْتَغِيَ،} كما قيل بتعليقهما بمحذوف حال من فاعله المستتر، والأول أقوى. {سُلَّماً:} معطوف على: {نَفَقاً،}{فِي السَّماءِ:} يجوز فيهما ما جاز بقوله: {فِي الْأَرْضِ} وجواب الشرط محذوف، التقدير: فافعل، و (إن) ومدخولها في محل جزم جواب (إن) السابقة، والكلام:{وَإِنْ كانَ..}. إلخ كله مستأنف لا محل له. {فَتَأْتِيَهُمْ:} الفاء: حرف عطف. (تأتيهم): معطوف على: {تَبْتَغِيَ} منصوب مثله، والفاعل مستتر تقديره «أنت» والهاء مفعول به. {بِآيَةٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {وَلَوْ:} الواو:
حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {شاءَ اللهُ:} فعل وفاعل، والمفعول