إلا المخادعَة، ولا من الزهادة إلا الانتحال، ولا من المروءة إلا غرور اللسان ... " إلخ.
٣ - وقال الحافظ رحمه الله في "الفتح" (١٠/ ٥٤٦ - ٥٤٧) - أثناء شرح حديث: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"-: " ... قال الخطابى: هذا لفظ خبر ومعناه أمر، أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وقد روى بكسر الغين في الوصل (يعنى: لا يلدغُ) فيتحقق معنى النهى عنه، قال ابن التين: وكذلك قرأناه، قيل: معنى لا يلدغ المؤمن عن جحر مرتين أن من أذنب ذنبًا فعوقب به في الدنيا لا يعاقب به في الآخرة. قلت: إن أراد قائل هذا أن عموم الخبر يتناول هذا فيمكن، وإلا فسبب الحديث يأبى ذلك، ويؤيده قول من قال: فيه تحذير من التغفيل، وإشارة إلى استعمال الفطنة. وقال أبو عبيد: معناه: ولا ينبغى للمؤمن إذا نكب عن وجهٍ أن يعود إليه. قلت: وهذا الذى فهم الأكثر ومنهم الزهرى راوى الخبر ... " حتى قال: "قيل: المراد بالمؤمن في هذا الحديث: الكامل الذى قد أوقفته معرفته على غوامض الأمور حتى صار يحذر مما سيقع. وأما المؤمن المغفل فقد يلدغ مرارًا". الى أن قال: "قال (يعنى التوربشتى): وعلى الوجه الأول- وهو الرواية بالرفع- فيكون إخبارًا محضًا لا يفهم هذا الغرض المستفاد من هذه الرواية، فتكون الرواية بصيغة النهى أرجح، والله أعلم. قلت: ويؤيده حديث: "احترسوا من الناس بسوء الظن". أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن طريق أنس، وهو من رواية بقية ... " إلخ. قلت: فها هو الحافظ رحمه الله يؤيد به أحد الوجهين في ضبط حديث: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وأنه بكسر الغين على معنى النهى. وقد صعَّف إسناده- كما تقدم عنه - دون استنكار لمتنه. وصححه عن مطرف كما تقدم أيضًا.