٤ - وقال الحافظ المناوى رحمه الله في "الفيض"(١/ ١٨١) - عند حديث "احترسوا من الناس" قال: أي من شرارهم "بسوء الظن" قال: أى تحفظوا منهم تحفظ من أساء الظن بهم. كذا قاله مطرف التابعى الكبير. وقيل: أراد: لا تثقوا بكل أحد، فإنه أسلم لكم ... " حتى قال: "ولا يعارض هذا خبر: إياكم وسوء الظن، لأنه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته، والأول: فيمن ظهر منه الخداع والمكر وخلف الوعد والخيانة. والقرينة تغلب أحد الطرفين، فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن وخلافه خلافه، وفي إشعاره تحذير من التغفل وإشارة إلى استعمال الفطنة (يلاحظ أنه عين ما قيل في حديث البخارى)، فإن كل إنسان لابد له من عدو، بل أعداء يأخذ حذره منهم؛ قال بعض العارفين: هذه حالق كل موجود، لابد له من عدو وصديق، بل هذه حالة سارية في الحق والخلق. قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}[الممتحنة: ١] فهم عبيده، وهم أعداؤه، فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد؟ .. " إلخ، حتى شرع في الكلام على إسناده.
أقول: وما نقلته عن هؤلاء الأئمة الكبار قد تواطأ حول معانٍ متقاربة لا تكلف فيها- إن شاء الله- ولا تعسف. وأشير- مع قصر الباع وقلة العلم- إلى أنه من المعلوم أن لفظة العموم قد تطلق، ويراد بها الخصوص، كلفظة: "الناس" حيث قال تعال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} فهى- في المرتين- يراد بها بعضهم. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم- كما في "الصحيحين"-: "الناس كإبل مائة، لا تجد فيها راحلة"، فهذا محمول على الأغلب والأعم. وقول السيدة عائشة رضى الله عنها: "رحم الله لبيدًا حيث يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
قالت عائشة: فكيف لو أدرك زماننا هذا. قال عروة: رحم الله عائشة،