فجلست خلف الحلقة، وقلت لإنسان: من أكبر الناس عند نافع؟ فقال لي: كبير الجعفريين، فقلت: فكيف به؟ قال: أنا أجيء معك إلى منزله.
وجئنا إلى منزله، فخرج شيخ فقلت: أنا من مصر، جئت لأقرأ على نافع، فلم أصل إليه، وأخبرت أنك من أصدق الناس له، وأنا أريد أن تكون الوسيلة إليه، فقال: نعم وكرامة.
وأخذ طَيلسَانه ومضى معنا إلى نافع، وكان لنافع كنيتان، أبو رويم وأبو عبد الله فبأيهما نودي أجاب، فقال له الجعفري: هذا وسيلتي إليك، جاء من مصر ليس معه تجارة، ولا جاء لحج، إنَّما جاء للقراءة خاصة.
فقال: ترى ما ألقى من أبناء المهاجرين والأنصار، فقال صديقه: تحتال له، فقال لي نافع: أيمكنك، أن تبيت في المسجد؟ قلت: نعم، فبتُّ في المسجد فلما أن كان الفجر جاء نافع.
فقال ما فعل الغريب؟ فقلت: ها أنا رحمك الله، قال: أنت أولى بالقراءة، قال: وكنت مع ذلك حَسَنَ الصوت، مدَّادًا به، فاستفتحت فملأ صوتي مسجد رسول الله ﷺ.
فقرأت ثلاثين آية فأشار بيده أن اسكت فسكت، فقام إليه شاب من الحلقة، فقال: يا معلم أعزك الله، نحن معك وهذا رجل غريب.
وإنَّما رحل للقراءة عليك، وقد جعلت له عشرًا وأقتصر على عشرين فقال: نعم وكرامة، فقرأت عشرًا فقام فتى آخر، فقال كقول صاحبه فقرأت عشرًا وقعدت واقتصرت على عشرين، حتى لم يبق له أحد ممن له قراءة.
فقال لي: اقرأ فأقرأني خمسين آية فما زلت أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأت عليه ختمات قبل أن أخرج من المدينة.