أقول: عدم معرفة ابن المدينى له - حيث قال:"مجهول، لا أعرفه" - لا يعارض قول هؤلاء الذين عرفوه ووثقوه وصححوا حديثه - وفيهم إمام الجرح والتعديل أبو زكريا يحيى بن معين رحمه الله -، ولا يُنزل حديثه من مرتبة الصحة - لو لم يقل ابن المدينى ما قال - إلى الحسن. ولا تندرج هذه الحالة - قطعًا - تحت قاعدة:"من طبيعة الراوى المختلف فيه أن يكون حسن الحديث". بل إما أن يرجح جانب التوثيق باعتبار أن الموثقين عندهم زيادة علم خفيت على المُجَهَّل، وإما أن تقوم قرينة على صحة اتصاف الراوى بالجهالة، بأن يتفرد ابن حبان وحده - مثلًا - بإدخاله في "الثقات" مع أنَّه لم يرو عنه سوى واحد، ولم يظهر له سوى حديث أو حديثين يصعب على النقاد تبين مدى موافقته للثقات المعروفين من خلالهما. نعم، لو قال الخالفون للمجهل: إن هذا الراوى: لا بأس به، أو صالح الحديث، أو صدوق يهم أحيانًا، ونحو هذه الصيغ المشعرة بخفة الضبط، أو حسن حديثه إمام معتبر، فلا مناص من القول بأنه:"حسن الحديث" حَسْب. والله أعلى وأعلم.
(ثم) إن الشيخ نفع الله به قد ذكر فائدتين لحديث أبي سعيد هذا، ثانيهما:"جواز الشرب بنفس واحد، لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على الرجل حين قال: "إنى لا أروى من نفس واحد"، فلو كان الشرب بنفس واحد لا يجوز لبينه صلى الله عليه وآله وسلم له، ولقال له مثلًا: "وهل يجوز الشرب من نفس واحد؟ ! ". وكان هذا أولى من القول له: "فأبن القدح .. "، لو لم يكن ذلك جائزًا، فدل قوله هذا على جواز الشرب بنفس واحد، وأنه إذا أراد أن يتنفس تنفس خارج الإِناء. وهذا ما صرح به حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فذكر حديث: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإِناء، فإذا أراد أن يعود، فليُنَحِّ الإِناء، ثم ليعد، إن كان يريد". خرجه في الرقم (٣٨٦) وحَسَّنه. وأورد عن الحافظ رحمه الله في "الفتح" كلاما متينًا جدًا عمن جوَّز الشرب بنفس واحد، فانظره هناك.
(وختامًا)، فقد صح حديث الترجمة من قول عكرمة أبي عبد الله البربري