للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا جاعَ نادَى بأعلى صوتِهِ (١): أين مُلوكُ الأَرضِ مِنْ هذا الطرَبِ؟!

وقالَ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الرازيُّ (٢): سَمِعتُ أبا (٣) محمَّدٍ الحريريَّ (٤) يقول: سَمِعتُ الجنيدَ يقولُ: ما أخذْنا التصوُّفَ من القيلِ والقالِ، ولكن أخذناهُ عن الجوعِ وتركِ الدنيا، وقطعِ المألوفاتِ والمُستحسناتِ، ومَن ظَنَّ أَن يَبْلُغَ مقصودًا، أو يَجِدَ مطلوبًا؛ لا مِنْ طريقةِ متابعةِ أهلِ (٥) السنَّةِ والجماعةِ: فهو مغرورٌ ومخذولٌ (٦).

وأمَّا السهرُ:

فإِنَّهُ يَجْلو القلبَ ويُصفِّيه، ويُنوِّرُهُ، ويَنضافُ إلى الصفَاءِ الذي حصلَ (٧) من الجوعِ، ويصيرُ القلبُ كالكوكبِ الدرِّيِّ، والمِرآةِ المجلوَّةِ، فَيَلوحُ فيه جمالُ الحقِّ، ويُشاهِدُ فيه رَفيعَ الدرجاتِ في الآخرةِ، وحقارةَ الدنيا وآفاتِها، فيُتِمُّ به رغبَتَهُ عنِ الدنيا، وإقبالَهُ على الآخرةِ.

والسهرُ أيضًا نتيجةُ الجوعِ، فإنَّ السهرَ مَعَ الشِبَعِ غيرُ ممكنٍ، والنومُ


(١) زيد في (ص): (وقال).
(٢) (محمد بن عبد الله بن جعفر، والد تمام بن محمد الرازي، له مصنف في أخبار الشافعي وأحواله كتاب جليل حفيل، قاله ابن الصلاح. مات سنة سبع وأربعين وثلاثمئة "العقد المذهب" (١/ ٢٣٣).
(٣) قوله: (أبا): سقط من (س).
(٤) (أَحمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَبو مُحَمَّد الْجريرِي، بِالْجِيم والراءين، كَذَا وجدته، سمع شَيْئًا من السّري، كَانَ الْجُنَيْد يُكرمهُ ويبجله وَإِذا تكلم الْجُنَيْدِ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ: هَذَا من بابة أبي مُحَمَّد الْجريرِي، توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وَثَلاثمئَة) "الوافي بالوفيات" (٧/ ٢٤٧).
(٥) زيد في (ص): (الرياضة من).
(٦) قوله: (ومخذول): سقط من (ص).
(٧) في (ص): (يحصل).

<<  <   >  >>