للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى العرش. وقد حكي عن كهمس (١) أنه كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، وكان يسلم بين كل ركعتين، ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل شر ما رضيت عنك (٢).

﴿قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها﴾ [١٨٠] قال: إن وراء الأسامي والصفات صفات لا تخرقها الأفهام، لأن الحق نار يتضرم لا سبيل إليه، ولا بد من الاقتحام فيه.

وقوله: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ﴾ [١٨٠] يعني يجورون في أسمائه يكذبون.

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [١٨٢] قال: يعني نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها، فإذا سكنوا وحجبوا عن المنعم أخذوا.

وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ [١٨٥] قال: ذكر الله تعالى قدرته في خلقه ووصف حاجتهم إليه، وما خلق من شيء سمعوه ولم يروه، فاغتروا به، ولو شاهدوا ذلك بقلوبهم لآمنوا بالغيب، فأداهم الإيمان إلى مشاهدة الغيب الذي غاب عنهم، وورثوا درجات الأبرار فصاروا أعلاما للهدى.

وقوله: ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ﴾ [١٨٧] يعني لا يجلي نفس الطبع من الهوى إلى طاعته، إلاّ هو. هذا باطن الآية. قوله: ﴿يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها﴾ [١٨٧] أي عالم بوقتها. قوله: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللهُ﴾ [١٨٨] فكيف ينفع غيره من لم يملك نفعه، وإنما ذلك إلى الله تعالى.

وقوله: ﴿وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [١٩٨] قال: هي القلوب التي لم يزينها الله بأنواره والقربة، فهو أعمى عن درك الحقائق رؤية الأكابر.

وقوله: ﴿وَاُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ [٢٠٥] ما حقيقة الذكر؟ قال: تحقيق العلم بأن الله تعالى مشاهدك، وتراه بقلبك قريبا منك، وتستحي منه ثم تؤثره على نفسك في أحوالك كلها، ثم قال: ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر. فقيل له ما معنى قوله : «الدنيا ملعون ما فيها إلاّ ذكر الله تعالى» (٣) قوله: «ذكر الله» هاهنا الزهد عن الحرام، وهو أن يستقبله حرام، فيذكر الله تعالى، ويعلم أنه مطلع عليه، فيجتنب ذلك الحرام. وقوله: ﴿وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ﴾ [٢٠٥] قال سهل: حقا أقول لكم ولا باطل، يقينا ولا شك: ما من أحد ذهب منه نفس واحد في غير ذكر الله إلاّ وهو غافل عن الله ﷿. وقال: غفلة الخاص السكون إلى الشيء، وغفلة العام الافتخار بالشيء، يعني السكون، والله أعلم.


(١) كهمس بن الحسن التميمي ( … - ١٤٩ هـ): من عباد أهل البصرة. كان أبر شيء بأمه، وبعد وفاتها أقام بمكة حتى مات. (الحلية ٦/ ٢١١).
(٢) نسب هذا الخبر إلى عامر بن عبد قيس في الحلية ٢/ ٨٩؛ وإلى سعيد بن المسيب في فيض القدير ٤/ ٢٤٨.
(٣) نوادر الأصول ١/ ٢٥٥؛ وسنن الترمذي ٢٣٢٢؛ وسنن ابن ماجة ٤١١٢.

<<  <   >  >>