من نوره زيادة نور إلى نور كان من الله تعالى. وقوله ﷺ:«لو ثبتت المعرفة على قلب داود صلوات الله عليه ولم يغفل ما عصى» فلعمري أن المعرفة أدرجت في أوطانها لتجري عليه ما كان من علم الله سابقا فيه، فلا بد من إظهاره على أوصافه إذا كان على حتم لا يتغير العلم إلى غير ما علم العالم جل وعز، فإنما ستر الله ﷿ في أوطان داود صلوات الله عليه نور اليقين الذي به يبصر عين اليقين وكليته، ليتم حكم الله تعالى فيه، ألا ترى أن العبد إنما ينظر إلى الحق بسبب لطيفة من الحق بوصولها إلى قلبه هي من أوصاف ذات ربه ليست بمكونة ولا مخلوقة ولا موصولة ولا مقطوعة، وهي سر من سر إلى سر وغيب من غيب إلى غيب، فبالله اليقين، والعبد موقن بسبب منه إليه على قدر ما قسم الله له من الموهبة وجملة سويداء قلبه. وللإيمان وطنان، وهو ما سكن فلم يخرج، ونور اليقين خطرات، فإذا سكن واستقر صار إيمانا، واليقين خطرات بعده، فهو في المريد هكذا حاله أبدا.
وسئل عن قوله: ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾ [٤٢] الآية، فقال: أي لا تلبسوا بأمر الدنيا أمر الآخرة. وأراد لا يحل لأهل الحق كتمان الحق عن أهله خاصة، عمن يرجون هدايته إلى الله ﷿، فأما أهله فإنهم يزدادون بصيرة به، وأما من كان من غير خاصة أهله فإن قول الحق لهم هداية وإرشاد إلى الله تعالى.
﴿وسئل عن قوله: ﴿وَاِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ [٤٥] الآية، فقال: الصبر هاهنا الصوم والصلاة وصلة المعرفة، فمن صحت له الصلاة، وهي الوصلة، لم يبق له على الله تهمة، إذ السؤال تهمة، ولا يبقى السؤال مع الوصلة، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ [٤٥].
وسئل عن قوله: ﴿وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [٤٨] أي لو جاءت بكل شيء من الأعمال من كبير أو صغير أو كثير أو قليل لم يتقبل ذلك منها، ولا شيء منه عند حصولهم في القيامة، والعدل: المثل، ألا ترى إلى قوله:
﴿أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً﴾ [المائدة: ٩٥] أي مثله وجزاءه.
وسئل عن قوله: ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [٥٥] قال: الصاعقة: الموت، والصاعقة: كل عذاب مهلك ينزله الله تعالى بمن يشاء من عباده، فينظرون إلى ذلك عيانا، ويريه غيرهم فيهم اعتبارا وتحذيرا.
وسئل عن قوله: ﴿لا شِيَةَ فِيها﴾ [٧١] فقال: أي لا علامة فيها تشينها، ولا لون يخالف لون سائر جسدها. وتلك حكمة من صانعها، وعبرة لمن اعتبر بها، وزاد لإيمانه وتوحيده يقينا.
قوله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها﴾ [٧٢] أي تنازعتم فيها. قوله: ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٨٣] قال سهل: هذا توبيخ من الله ﷿ لهم بما كان من آبائهم من قتلهم الأنبياء. ألا ترى أنه لم يقتل المخاطبون بهذه الآية نبيا في وقت محمد ﷺ، ولا كان في