للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السورة التي يذكر فيها العصر]

قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ [١] قيل: أي ورب الدهر. وقيل: أراد به والعصر.

﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [٢] يعني أبا لهب خسر أيامه كلها.

﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [٣] يعني أدوا الفرائض كما فرضت عليهم.

﴿وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ﴾ [٣] أي بالله ﷿.

﴿وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [٣] على أمره.

قيل: ما الصبر؟ قال: لا عمل أفضل من الصبر، ولا ثواب أكبر من ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى، ولا تقوى إلا بالصبر، ولا معين على الصبر لله إلا الله ﷿ (١).

قيل: الصبر من الأعمال؟ قال: نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس من الجسد، لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه.

قيل: ما أجل الصبر؟ قال: أجله انتظار الفرج من الحق.

قيل: فما أصل الصبر؟ قال: مجاهدة النفس على إقامة الطاعات وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها.

قيل: والناس في الصبر كيف هم؟ قال: الناس في الصبر صنفان: فصنف يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ما تشتهي أنفسهم، فهو الصبر المذموم، وصنف يصبرون للآخرة طلبا لثواب الآخرة وخوفا من عذابها.

قيل: فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع؟ قال: الصبر للآخرة له أربع مقامات:

فثلاث منها فرض، والرابع فضيلة: صبر على طاعة الله ﷿ وصبر على معصيته وصبر على المصائب من عنده (٢). أو قال: صبر على أمر الله ﷿، وصبر على نهيه، وصبر على أفعال الله ﷿، فهذه ثلاث مقامات منه، وهي فرض، والمقام الرابع فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦] الآية، كم بالمثل وفضل الصبر، ثم قال: ﴿وَاِصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ﴾ [النحل: ١٢٧] ولا يعين عليه إلا هو.

ولقد لحق رجل بأويس القرني فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خريقة قد تردى بها (٣).


(١) الحلية ١٠/ ١٩٨؛ وطبقات الصوفية ١/ ١٧١؛ وسير أعلام النبلاء ١٣/ ٣٣١.
(٢) قوت القلوب ١/ ٣٣١، ٣٥١ - ٣٥٢، وهو قول الحسن البصري.
(٣) شعب الإيمان ١/ ٥٢٤؛ وصفوة الصفوة ٣/ ٥٣ - ٥٤؛ والحلية ٢/ ٨٧؛ وسير أعلام النبلاء ٤/ ٣٠.

<<  <   >  >>