﴿وقوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً﴾ [٩٦] أي أول بيت وضع للناس بيت الله ﷿ بمكة هذا هو الظاهر، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت الله في قلبه التوحيد من الناس.
قوله: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ [١٠٦] يعني تبيض وجوه المؤمنين بنور إيمانهم، ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [١٠٦] الكافرين بظلم كفرهم. وسئل عن قوله: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة: ٦١] فقال: هذه الأجسام الغرض منها ما أودع الله فيها من الودائع، ابتلى الله الخليقة بها، فمنها ما هو اعتبار للطائعين وهو الكفر، ومنها ما هو حجة على الغافلين، وهو المعرفة والتصديق في الأقوال والأفعال، كما قال: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] فباطن هذه الآية: النور العلم، والظلمات الجهل، لقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠] أي ما يستبصر به القلب الإيمان بالله، فنور الإيمان من أعظم منن الله ﷿ وكراماته. والثاني الطيب من القول، وهو قوله تعالى: ﴿تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ﴾ [٦٤] الآية.
والثالث إطاعة بالجوارح خالصا لله، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقنوع والرضا، فدعاهم بذلك إلى أطيب القول وأحسن الفعال، ولو لم يكن الإيمان بالله والقرآن الذي هو علم الله فيه الدعوة إلى الإقرار بالربوبية والتعبد إياه في الفزع، لم تعرف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أجابهم من الخلق.
قوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [١٤١] يعني تخليصهم من عيوب الذنوب، كما أخلصوا له بالعمل، وهو الجهاد في سبيل الله، ﴿وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ﴾ [١٤١] أي وليهلك الكافرين بالذنوب عن الابتلاء.
قوله: ﴿وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ﴾ [١٤٩] يعني الفئة المنهزمة يوم أحد حين لم يستأصلهم جميعا. ﴿وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [١٥٢] بالعفو عنهم وقبول التوبة منهم.
قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا﴾ [١٥٥] فسئل ما هذا الكسب؟ فقال: هو الإعجاب الذي كان منهم بكثرة عددهم يوم حنين، وأخذهم العزة يوم بدر، وكان لشرك الشيطان إياهم بعد مساكنة قلوبهم ورؤيتهم نفوسهم بما سولت لهم أنفسهم من الإعجاب، فترك الله عصمتهم جزاء لهم. وقد قال النبي ﷺ حين سمع من أصحابه يوم حنين يقولون لن نؤتى من قلة:«لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية»(١) من تدبيركم إلى نفوسكم بحال، دون الافتقار إلى الله ﷿، ألا ترى أن داود ﵇ لما
(١) صحيح البخاري: كتاب الجهاد، ٢٨٠٤، ٢٨٦١، ٢٨٦٣؛ وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، ١٧٤١ - ١٧٤٢.